لماذا تحولت وداعة فلسطين؛ أرض الرسالات، مهد النبوءات، الأرض المباركة؛ لمعترك للعنف، لساحة للصراعات، مكانًا لتصفية الحسابات، لسفك الدماء، لانتهاك الحريات، لقتل الأبرياء، لاغتيال سكينتها، لتدنيس طهرها؟!!
لماذا أضحت مكانًا لتنازع السلطة، لتمزيق الوحدة، لتشتيت الشعب الواحد، لتغليب المصالح الشخصية على المنفعة العامة؟!
لماذا لم تعد بيتًا ينضوي تحت لوائها شعب أعزل ينشد السلام؟!
لما لا يجتمع أصحاب البيت الواحد تحت راية واحدة، تحت سلطة واحدة، يجمعهم الانتماء للمكان، الحب للأرض، الولاء لهويتة المتوشحة برمز الحرية والوحدة؟!
لما لا يعتد بقيادته، (بكوفيتة) التي تعد رمزية متفردة، للوحدة والنضال، للتضامن الفلسطيني ضد العدوان، للإباء والشمم؟!
لماذا أضحت صعيدًا للتنازع، موضعًا للتفرقة، للانقسام السلطوي؛ نقطة ضعف تهدد الإنسان والكيان بالتشرذم والتخلخل؟!
لماذا لم تعد أرضًا مشتركة لوحدة الصف، لتقاسم الهم والهمم، للتشاور والتآزر، مركزًا لصناعة القرار، ممثلية للشعب والوطن، مثالًا لولاء العربي للدين والعروبة، صورة ناصعة للتضحية والإخلاص، نموذجًا للنقاء، لتعزيز الانتماء، للبناء ولإنماء، والتنمية المستدامة؟!
لماذا لا تتغلب دوافع الوطنية على نوازع الذاتوية المكتنزة بحب النفس والمال على الآخر؟!
ماذا دهاك يا فلسطين الجريحة؟!
ألم يكفك أيتها العذراء الطاهرة، أرض القداسة؛ فلسطين العربية الأبية – عذابًا ونكالًا، جرحًا وألمًا، بؤسًا وشقاءً – ذلك العدوان الآثم، والتآمر الصهيوني الغاشم، وذلك الاحتلال الإسرائيلي الجاثم، الذي دنس أرضك، قتل شعبك، اغتال عذريتك، سحق طفولتك، أرمل نساءك، فتك بشيوخك، استحوذ على خيراتك؟!
هل لك وقد ضاقت أرضك ذرعًا أن تستوعبي مؤامرات جديدة، أو أن تحتملي تدخلات أجنحة مارقة مجاورة أو نازية غارقة في الشر منحرفة مظلة، أو طائفية متعجرفة مجرمة، أو ولاءات لملالي كهنوتية كافرة فاجرة، أو حزبيات لا تؤمن بانتماء، متنكرة عابرة للحدود باغية؟!
يالك من قاصرة مسكينة لا تقوى على كل تلك التكتلات، على تلك الحشود التي تتداعى على قصعتك .. يالك من جوهرة ثمينة تحشد لها العدد والعتاد لتنال من قداستك، لتفتك بأهلك، لتسكب الدماء البريئة على أرضك، لتخضب ثراك بنزف قاتم اقترفته يد مغتال مجرم لا يرحم، لتعكر صفوك بالأحقاد، بالأوغاد، لتسمم أجواءك بلوثات الدمار، لتشوه جمالك بتلك الأكوام، لتسقط أغصان الزيتون حزينة، لتقتلع شجر الفرقد من جذوره، لتتلف كل ثماره، لتهدم بنيانه، جدرانه، لتقتحم أسواره .. لتلتهم نيرانه أكنانه وأكنافه، لتقتل الإنسان والإحسان؛ ليس إلا لأنه من السكان!! لتمتهن عزتك، لترتهن كرامتك، لتحجر واسعاً من فضاءاتك الملأ بالتاريخ والجغرافيا، لتقيد ما بقي من حريتك، لتعودي كسيرة أسيرة في الأصفاد مكبلة تئنين حسيرة جريحة مختنقة الأنفاس!!
توشكين أن تلفظي ما تبقى لك من رمق .. لتموت معك الأحلام، لتنطفئ الآمال، لتذهبي أدراج النسيان!!
أبدًا.. أبدًا.. ستتوهجين من جديد .. أنتِ عربية أبية .. ستبقين .. وستبقين .. وستكونين على الأعداء عصية .. وستخلدين حياة أبدية حرة أبية!!
كم أنتِ تعيسة يا فلسطين إذ ترتجين من الفرس نجدة، أو من الروافض نصرة أو من الأخوان فزعة، أو من الطوائف والأحزاب حزمًا وعزمًة؛ وقد استحوذ عليهم الشيطان فقطعهم أممًا، كل أمة تلعن أختها، وقد تمخض الجمع عن حزب لات وحوثي وحشد فاجر وداعشي غادر، و آخر متخفي سافر وسادس … وعاشر .. وآخر من شكلهم وعلى شاكلتهم خائن متآمر ماكر، يدعي الانتماء، وهو بعيد بالأميال؛ كي لا ينال .. يتحصن في بروج مشيدة لئلا يدركه الموت أو يكون قريبًا من داره، وكي لا يكون في مرمى العدو المحتل، وإن شئت الحليف المذل، ليسلم وأبناؤه من كل نزال، وعن كل زلزال، وليبقى لسانًا لا إنسانًا، جسد خوار، عنوانًا للفساد والانقسام!!
كل أولئك أضحوا خنجرًا في خاصرة الأمة، خدمًا لأعدائها، بل هم العدو اللدود الذين حذر الله منهم ومن فجورهم بقوله تعالى:
{۞ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [المنافقون : 4]
كم أنت غالية يا فلسطين .. أنتِ قطعة من أرضنا بل من قلوبنا .. أنتِ رمزية لعروبتنا .. أنتِ الهوى والهوية .. المكان والمكانة .. أنتِ أولوية لقيادتنا، لحكومتنا الأبية، للشعب السعودي .. أنتِ عنوان عريض يتوشح اهتمامات ملوكنا كابرًا عن كابر لتظل المملكة العربية السعودية المنافح والراعي والداعم الرئيس للقضية الفلسطينية، كي تنال استقلالها وكامل حقها في أن تكون القدس عاصمتها الأبدية!!!
كم أنت حاضرة في دعائنا: بنصر عزيز وفتح قريب، ورجاؤنا أن يجد بابًا مشرعًا للسماء ليرتد فرجًا عاجلًا!!