المقالات

تميُّز دبلوماسيتنا الثقافية وقوتنا الناعمة

الدبلوماسية الثقافية هي عنصر من عناصر الدبلوماسية العامة، وهي استخدام وانتهاج سياسة ثقافية تهدف إلى تسهيل تنفيذ مهام سياستها الخارجية، وينظر للثقافة من قبل العديد من المختصين بأنها “دبلوماسية القرن الحادي والعشرين”.

ويتم تعريف الدبلوماسية الثقافية من قبل الباحثين كماكنزي على أنها تبادل للأفكار والمعلومات والفن وغيرها من جوانب الثقافة بين الأمم لتعزيز التفاهم المتبادل، وتُشكل عنصرًا هامًا في الجهود الدبلوماسية الأوسع نطاقًا، وتحتوي ببساطة على كل ما تفعله الأمة لتعريف نفسها بالعالم.

الدبلوماسية الثقافية إذن هي أداة جديدة لخلق علاقات دبلوماسية أفضل، وتعني تبادل المعلومات والأفكار والقيم والنظم والتقاليد والمعتقدات وغيرها من الجوانب الثقافية بقصد تعزيز التفاهم المتبادل والسلام الدائم.

ويعتبر مصطلحا الدبلوماسية الثقافية والقوى الناعمة مكملين لبعضهما البعض، بل يمكن اعتبارهما يؤديان نفس المعنى، وهما من المصطلحات الحديثة التي فرضت نفسها في الآونة الأخيرة، تحديدًا منذ بدايات التسعينيات كإحدى الوسائل الفعَّالة التي تعتمد عليها الدول في تحقيق أهدافها في النجاح والتميز، وأصبح من المعلوم أن الدولة التي في استطاعتها الموازنة بين قواها الصلبة وقواها الناعمة لا بد وأن تكون دولة ذات سياسة خارجية ناجحة وفاعلة، دولة يُنظر إليها باحترام وتقدير من قبل مجتمعها الدولي.

ومنذ العصور الوسطى وحتى الحرب العالمية الثانية كان المصطلح السائد في السياسة الدولية هو.. مصطلح “القوى الصلبة”، أي استخدام الماكينة العسكرية والقدرات الاقتصادية والأساليب السياسية الملتوية.

وبالإمكان وصف الدبلوماسية الثقافية بأنها عبارة عن “سلوك يستند إلى تبادل الأفكار والقيم والتقاليد وجوانب أخرى من الثقافة أو الهوية، سواء لتعزيز العلاقات أو تعزيز التعاون الاجتماعي والثقافي، أو تعزيز المصالح الوطنية وما بعدها”. ويمكن أن تُمارس الدبلوماسية الثقافية من قبل القطاع العام أو الخاص أو المجتمع المدني. يتضمن ذلك تبادل الأفكار والمعلومات والفن واللغة وجوانب أخرى من الثقافة بين الدول وشعوبها؛ لتعزيز التفاهم المتبادل.

ونستطيع النظر إلى إذاعة بي .بي. سي.، والمراكز الثقافية الفرنسية والروسية وغيرها، ومعاهد جوتة (لتعليم اللغة الألمانية) حول العالم، والمعارض الدولية الفنية، ومعارض الكتب الدولية، ومطاعم البتزا الإيطالية، وأفلام السينما الأمريكية والهندية، والمسلسلات التركية باعتبارها شكلًا من أشكال الدبلوماسية الثقافية.

وقد اكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما تمثل في عقد الملتقى الخليجي الأول للدبلوماسية الثقافية بالشارقة في الفترة من 13-14 أكتوبر 2023، بحضور ومشاركة العديد من الأكاديميين ورجال الفكر والصحافة والإعلام.

وقد اتخذت حكومة خادم الحرمين الشريفين عدة خطوات هامة على طريق تعزيز الدبلوماسية الثقافية بدءًا من فصل وزارة الثقافة عن الإعلام، من خلال إنشاء وزارة خاصة بالثقافة تعنى بدور كبير في ترجمة “رؤية 2030” بقوةٍ ثقافيةٍ ناعمة، عبر الممارسات الناجحة في مجال “الإدارة الثقافية”، بإنشاء “لجنة وطنية مشتركة” أو مذكرات تفاهم “تنفيذية” تنطلق من “وزارة الثقافة” نحو “وزارة الخارجية” وبعثاتها الدبلوماسية و”وزارة التعليم” بملحقياتها الثقافية ومبتعثيها وأكاديمياتها ومدارسها في الخارج، وكذلك مع الجامعات السعودية والطلاب الدوليين الدارسين فيها، و”وزارة السياحة” وهيئات المدن العُليا ذات الإرث الكبير لإبراز وطننا وسياحتنا وترويجها دوليًا، وتأسيس قاعدة بيانات تضم المعلومات والخبرات والاحتياجات والاستعدادات، وتوجيه السياسات.

والمتتبع لتطور مراحل القوة الناعمة السعودية خلال السنوات الماضية، يلاحظ أنها مرتبطة بشكل عضوي مع رؤية المملكة 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أبريل 2016.

وتعد المملكة اليوم نموذجًا مهمًا في العالم التي تتمتع بعناصر القوة الناعمة المتعددة، سواء في القوة الروحانية ممثلة في المكانة الإسلامية الرائدة كونها مهبط الوحي وبلد الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، أو في غيرها من مصادر تلك القوى.

وقد تبنت المملكة استراتيجية تقوم على تعزيز وتطوير مصادر القوة الناعمة وإضافة عناصر جديدة لتلك القوة تمثلت في قطاعات مستحدثة مثل: السياحة والترفيه والرياضة وإطلاق ورعاية مبادرات إقليمية ودولية لتشكل تلك العناصر مجتمعة للقوة الناعمة – تقليدية وجديدة – بجانب القوة الصلبة، القوة الذكية التي تمتلكها المملكة وتمارس من خلالها التأثير على الساحتين الإقليمية والدولية، وتعتبر الرياضة بشكل خاص عنصرًا مهمًا من عناصر القوة الناعمة للمملكة، وتستخدم بعض الدول الكبرى هذه القوة لتأثيرها العالمي، وتولي المملكة الرياضة اهتمامًا كبيرًا ضمن مبادراتها ومشاريعها للوصول إلى هدف رئيس وهو بناء مجتمع حيوي يهدف لتحقيق أحد أبرز مستهدفات رؤية 2030 في زيادة مستويات النشاط البدني بين المواطنين، وأيضًا من خلال استضافة المملكة لأحداث رياضية دولية، حيث تسعى المملكة إلى تقديم نفسها كدولة مؤثرة عالميًا في مجال الرياضة، ولعل إعلان المملكة عن نيتها الترشح لاستضافة بطولة كأس العالم عام 2034 لدليل على الأهمية التي توليها المملكة للرياضة كعنصر هام من عناصر القوة الناعمة.

ولا بد من الإشارة إلى أن أهم ما يميز القوة الناعمة السعودية أنها تنبثق مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي يرتكز على مبادئ الوسطية والتسامح والاعتدال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى