المقالات

رؤية 2030 والدبلوماسية الثقافية

الدبلوماسية الثقافية، كمصطلح، يعتبر حديث الاستخدام والانتشار ولكن كمفهوم وسلوك فهو قديم منذ الأزل .. نحن نستخدم في حياتنا اليومية كلمة دبلوماسي فنقول فلان دبلوماسي بما معناه أنه حاذق في استخدام الكلمات والأسلوب، ويعرف كيف يحصل على ما يريد دون أن يلتزم بما لا يريد أي أن لديه القدرة على إيصال ما يريد بسلاسة؛ فلديه مهارة التواصل ويستخدم معرفته ومهارته للوصول للهدف، وهذا يعني اللباقة في التعامل وفي الحديث والتواصل.
الدبلوماسية العامة التي يعرفها الجميع وتضم مهنيين متمرسين يتعلمون علومًا ومهارات عدة في الإتيكيت والبروتوكول والمراسم والتفاوض وحل المشكلات؛ بالإضافة إلى شحنات معرفية متنوعة في الجغرافيا السياسية والاقتصاد والتمويل والاجتماع وغيرها حيث إن الهدف العام هو الحفاظ على علاقات متوزانة بين الدول والحكومات.
الدبلوماسية الثقافية تهدف أيضًا إلى بناء جسور التفاهم والتواصل بين الثقافات والمجتمعات وذلك باستخدام أدوات الثقافة المختلفة، والتاريخ يقدم لنا أمثلة كثيرة منها المجلس البريطاني الذي فتح فروع له في معظم دول الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا؛ إذ يقدم برامج لتعليم اللغة الإنجليزية فاللغة هي أحد أفضل الأدوات لنقل الثقافة هذا بالإضافة إلى نشاطات كثيرة يقوم به للاحتفال بمناسبات وطنية ودينية في بريطانيا كما أن دخول أي من هذه المراكز يشاهد الكثير من الرموز التي تؤكد الثقافة البريطانية. وهناك أيضًا الرابطة الفرنسية التي تقدم برامج ونشاطات مماثلة أضف إلى ذلك الدور المحوري المناط بالملحق الثقافي في السفارات إذ إن الهدف هو التعريف بثقافة تلك الدولة وأحيانًا تتجاوز من التعريف إلى النقل والإيحاء أيضًا.
الأدوات التي تستخدمها الدبلوماسية الثقافية كثيرة ومتنوعة، وتشمل الفن الأدائي والفن التشكيلي، الموسيقى، المسرح، الشعر، الأدب، المسلسلات التلفزيونية، الصحافة، النشر، السياحة، المعارض الفنية، معارض الأزياء، المسابقات الثقافية المتنوعة.. إلخ.
إن العلاقة المعرفية بين المواطن العربي وتركيا كانت وحتى التمانينيات من القرن الماضي محصورة في قراءة التاريخ وخاصة الدولة العثمانية، إذ كانت معلوماتنا عن تركيا تنحصر في بعض اسماء المدن مثل القسطنطينية وأنطاكية، ولكننا اليوم نشاهد الأعداد الكبيرة من السواح العرب يتسابقون إلى تركيا وأصبحت الكثير من المطاعم والأسماء التركية منتشرة في الدول العربية وكذلك البضائع التركية غزت الأسواق؛ خاصة صناعة الملابس والحلويات.
كيف حدث ذلك؟!
البداية كانت من خلال المسلسلات التركية المدبلجة الى العربية في التلفزيون والتي استطاعت أن تستولي على متابعات المشاهد العربي حتى إن البعض كان يتغنى ببعض الشخصيات مثل مهند ونور فإذا لقي شخص اسمه مهند يسأله على الفور أين نور.. ولا شك أن الدول تخصص ميزانيات ضخمة لهذه الأدوات؛ وذلك لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية محددة ضمن أجندتها الوطنية.
الشركات التركية والأمريكية تجني الملايين نتيجة إقبال المستهلكين على شراء منتجاتها التي استطاعت أن تخترق الثقافة المحلية، وتصبح جزءًا من الثقافة اليومية مثل: مقاهي ستار بوكس ومطاعم ما يسمى بالوجبات السريعة والمشروبات الغازية ولا أود أن أذكر اسماء أخرى لكي لا أكون مسوقًا لها.
الدول العربية لم تستخدم الدبلوماسية الثقافية كثيرًا، ولعل أول من فعل ذلك هو ما قامت به حكومة الشارقة ممثلة في الدائرة الثقافية منذ الثمانينيات حيث حرصت على التواجد في معارض الفنون التشكيلية إذ برز دور جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في تلك المرحلة وقد أعطت تلك الجهود ثمارها حيث كانت الشارقة هي أول وجهة سياحية للسواح من أوروبا؛ خاصة ألمانيا إذ شهدت الشارقة مجموعات كبيرة من السواح الأجانب الذين كانوا ينشدون هدوء الطبيعة والتميز العمراني والتراثي التي عرفت بها الشارقة.
في السنوات الأخيرة بدأ الاهتمام بالثقافة كأداة هامة وفعالة في التنمية الاقتصادية ورؤية 2030 في المملكة العربية السعودية أكدت ذلك بقوة ونرى اليوم مشروعات عملاقة واستثمارات ضخمة في مواقع أثرية في المملكة من العلا إلى الأحساء، وهذا دليل على رؤية ذكية وقراءة سديدة للمستقبل.
ومن أبرز النجاحات التي تحققت على المستوى العربي كان في قطر واستضافتها لكأس العالم حيث استخدمت كل أدوات الدبلوماسية الثقافية للتعريف بالدولة والشعب والثقافة؛ وبذلك نجحت قطر في تغيير الصورة النمطية التي كانت لدى الغرب عن دول الخليج العربي والدول العربية بشكل عام.
للحديث بقية…

د. عبدالحميد الرميثي

أمين عام المؤتمر العالمي للريادة والابتكار والتميز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى