صحيح، تشرَّفت بكتابة مقالات عديدة عن حادي ركبنا، قائد قافلة خيرنا القاصدة إلى الأبد إن شاء الله، خادم الحرمين الشريفين، سيِّدي الوالد المكرم، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، وسدَّد على طريق الخير خطاه. وبالطبع، سبقني آخرون كثر، ومثلي اليوم أكثر، وحتماً سيأتي بعدنا أكثر منَّا جميعاً، ممن يتشرفون بالكتابة عن مليك الحزم والعزم والحسم والرأي السديد نثراً رصيناً وشِعْراً مدبجاً جزلاً؛ يعددون مآثر مقامه السامي الكريم، ويعبرون عن شكرهم وتقديرهم، وعرفانهم وامتنانهم لعمله الدءوب من أجل حفظ كرامتنا ورفاهيتنا، ورفعة بلادنا وحماية استقلالها، وخدمة مقدساتها، ورعاية ضيوف الرحمن، والتضامن مع العرب والمسلمين حيثما كانوا في بلاد الله الواسعة، والتعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في العالم بأسره.
أقول، كلنا حريص على الإدلاء بدلوه في الثناء على هذا الرجل الكبير، القائد البطل النادر، في زمنٍ عزَّ فيه الأبطال، وتوارى القادة والزعماء المصطنعين خلف فشلهم؛ لنؤكد جميعاً اعترافنا بالحق لأهله. ومع هذا، مهما أخلصنا النية، وأبدعنا في الكتابة شِعْراً ونثراً، لن نوفيه حقه علينا، بل قل لن نوفي هذا الرجل الكبير حتى و لو نزراً يسيراً من كثير حقه علينا.
وتحضرني هنا مقولة شهيرة لمقامه السامي الكريم، يرددها كلما تحدث عن والد الجميع المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وهو الرائد الذي لم يكذب أهله قط، إذ يقول: (مهما كتب المؤرخون من عرب وعجم عن الملك عبد العزيز، فإنهم لن يوفوه حقه حتى إن كتبوا ألف كتاب أو أكثر).
وبالمقابل أقول: إننا لن نحيط بكل جوانب شخصية قائدنا إلى المعالي اليوم، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حتى إن كتبنا ألف كتاب أو أكثر. بل سيظل مثل ذلك الجهد المتواضع قاصراً عن التعبير عمَّا تجيش به نفسنا من مشاعر عديدة، تجاه ربَّان سفينة الخير والأمن والسلام والاستقرار.
كيف لا وقد أفنى هذا الزعيم الشامل المبارك حياته كلها رسولاً للخير والاطمئنان والأمن والأمان. وكلنا ندرك جيداً عمله الدءوب الصادق المخلص عندما كان يعتلي صهوة إمارة منطقة الرياض التي تمثل المجتمع السعودي بكل ألوان طيفه، لاسيَّما الرياض العاصمة التي نقلها سلمان من دكاكين دخنة إلى مركز الملك عبد الله المالي، بل قل حقق سلمان لمعشوقته التي أدمن حبها أكثر من هذا، إذ نقلها إلى التراث العالمي الذي احتفي بتسجيل الدرعية وحي طريف ضمن معالمه البارزة، تأكيداً لمكانة بلادنا التاريخية، إذ يعد أول مخطط إستراتيجي ومنظم لمدينة الرياض ومحافظة الدرعية. فتمردت الرياض على أسوارها التاريخية، مع ما كنا نجده في تلك الأسوار من عبق الماضي التليد، بجهود مهندس نهضتها سلمان الوفاء، لتصبح عروس العواصم، وأسرع مدن العالم توسعاً؛ بعد أن حوَّل حلم تطويرها بطموحه الذي لا يعرف سقفاً وإرادته التي لا تلين.
فأدهشت الجميع، وأطلق عليها السعوديون: أمارة الأمارات. ووصفوها ب (قلب سلمان النابض بالحياة والحب والعطاء). وقال عنها ابنها البار سلمان العمل والإنجاز والإبداع، بتواضع العلماء: (تاريخ الرياض جزء من حياتي، عايشتها بلدة صغيرة، تسكنها بضعة آلاف، وعاصرتها حاضرة عالمية كبرى).. والحقيقة أن مقامه السامي الكريم هو الذي نقل الرياض إلى ما هي عليه اليوم، غير أنه تواضع العلماء كما أسلفت، ومن منَّا أكثر من سلمان تواضعاً؟.
صحيح، قائدنا إلى المعالي سلمان مشهود له أنه إداري من طراز فريد، غير أن عمله لم يقتصر على الإدارة فحسب، بل هو قائد شامل بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنىً، إذ يعد أحد أعلام المملكة البارزين، صاحب إسهامات عديدة مميزة في مجالات مختلفة من التخطيط إلى الثقافة، التنمية الاجتماعية والمعرفية والاقتصادية والصحية والعمرانية، الصحافة والإعلام والتعليم؛ إذ ما أزال أذكر شهادة شقيق مقامه السامي الكريم، نايف النايف له: (لأخي الأمير سلمان جهد كبير في عمله الإشرافي على المدارس، فله الشكر من الجميع).
أما التاريخ والأدب والثقافة والحضارة، فيحلو لي دائماً وصف مقامه السامي الكريم بأنه: (مستودع تاريخنا وإرثنا الحضاري الثقافي). فهو حقاً أعرفنا به، وأحرصنا على توثيقه وحفظه. وقد ظهرت هذه المعرفة والحرص والاهتمام من خلال أعمال جليلة عديدة اضطلع بها، من رئاسته لمجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز وإشرافه عليها، إلى تبنيه مكتبة الملك فهد منذ كانت مكتبة عامة، حتى تحويلها إلى مكتبة وطنية للمملكة، وقدَّم لها دعماً غير محدود، خدمة لمشروعها في توثيق الحقوق، كما قدَّم لها كثيراً من المخطوطات النادرة. وبالطبع لن ننسى رئاسته لمعرض (المملكة بين الأمس واليوم) الذي حمل تاريخنا وحضارتنا إلى العالم شرقه وغربه في الفترة بين (85 – 1992) فكان له أثر كبير بتعريف العالم بإرثنا وهويتنا. وقائدنا سلمان هذا نفسه، هو صاحب فكرة توثيق تاريخ ملوك السعودية، لترسيخ ذكريات صناع التاريخ في الذاكرة الوطنية… إلخ.
يضاف إلى ما تقدَّم، أننا نرى في مقامه السامي الكريم الأب الروحي للعمل الخيري داخل البلاد وخارجها، لاسيَّما اللجان الخيرية التي ترأسها لدعم الأشقاء الفلسطينيين، بجانب مساعدة المتضررين من الكوارث الطبيعية في العالمين العربي والإسلامي، ومناصرة المسلمين في كل مكان، خاصة الأقليات المسلمة التي تتعرض لظلم كبير في مواطنها الأصلية؛ وغير هذا كثير من ترؤس مقامه السامي الكريم للجان وهيئات في مختلف المجالات، قدَّمت خدمات جليلة داخل البلاد وخارجها، من لجان التنمة المستدامة، البيئة، إلى التراث، رعاية الموهوبين، المسؤولية الاجتماعية، المنتديات الاقتصادية، السياحة، الرياضة، إصلاح ذات البين، اللجان العليا للأوقاف، جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، المشروعات الخيرية للراغبين في الزواج، جمعيات المكتبات والمعلومات، جمعيات الإسكان الخيري ورعاية الأيتام… إلخ. وعلى كل حال، هذا الجانب الإنساني في شخصية قائدنا سلمان، بحرٌ لا ساحل له، وأذكر أن الأخ زين العابدين الركابي رحمه الله، كتب عنه مشكوراً كتاباً كاملاً، دون حتى أن يقترب من شاطئه، ناهيك عن بلوغه.
أما في الجانب الاجتماعي، فقائدنا إلى المعالي سلمان رائدٌ، كما مقامه السامي الكريم في كل جوانب الحياة، إذ إنه حاضرٌ دوماً في أفراحنا وأتراحنا وكل مشاكلنا؛ فهذا مواطن عادي يقول إن الملك سلمان حرَّر القيود من باب دكانه قبل (65) عاماً، وذاك آخر يصيح في الملأ بأعلى صوته: (والله ما يردني إلا سلمان). وهذا هو سلمان نفسه، يجود بدمه الغالي الطاهر الزكي للمحتاج، فقد تبرع للسعوديين بالدم (12) مرة، فنال ميدالية الاستحقاق.
أما وفاء سلمان، الذي تقاصر عنه كل وفاء، فيعجز الإنسان عن وصفه؛ فها هو في وفائه لرسالة والده: (الملك عبد العزيز لم يهدف إلى توسيع الملك لأجل الحكم، بل لخدمة دينه وشعبه والمسلمين). أما تجاه إخوته، فقد تجاوز سلمان علاقة الأخ بأخيه ليجسد مفهوم الجسد الواحد؛ فها هو يبرز جانباً من حياة أخيه الشهيد الفيصل، يوم استشهاده: (لقد سخَّر الفيصل قوة بلاده للتضامن الإسلامي، وترك أُمَّةً تعلو فوق أحزانها، وتؤمن بالله وتصبر على البلوى). ويشهد لأخيه الملك خالد، ولا يزكيه على الله: (الملك خالد مؤمن صادق في إيمانه، قائد حكيم محبٌّ لشعبه، وملك متواضع في هيبته). ولا أحد منَّا نحن السعوديين ينسى ملازمة قائدنا سلمان لشقيقه الفهد في مستشفى الملك فيصل التخصصي لأكثر من عام، حتى انتقل إلى جوار ربِّه، فودعه بالإيمان بالله نفسه والصبر على البلوى اللذان ودع بهما الفيصل من قبل. ثم يلازم شقيقه الأمير سلطان توأم روحه في رحلة علاجية طويلة خارج المملكة، ويصفه بأنه كان جمعية خيرية بذاته، مؤكداً: (لم أرَ منه جزعاً أو خوفاً، ولم تفارقه ابتسامته المعهودة، وكان مؤمناً أشد الإيمان بقدر ربِّه). بل أكثر من هذا: يكتب للجهات المختصة، استجابة لشكوى تقدم بها أحد الإخوة العمال البسطاء من الوافدين: (استدعوا كفيل العامل فلان، واستوفوا له حقه كاملاً من كفيله حسب النظام، وتبقى كفالة العامل على الدولة حتى يكمل أطفاله عامهم الدراسي هذا).. فلله درَّك أبا فهد، نجم السعد، شقيق الفهد.
ولهذا كله وغيره كثير مما يضيق الوقت عن سرده ولا يتسع المجال لنشره، لا غرو إن حصل مقامه السامي الكريم، حتى قبل أن يعتلي سدة الحكم في بلادنا الطيبة المباركة هذه، على أثمن الجوائز، وأرفع الأوسمة والأوشحة والميداليات والدروع والزمالات، وشهادات الدكتوراة الفخرية من أشهر الجامعات وأعرقها، محلياً وإقليمياً وعالمياً، من دول ومنظمات أممية في مجالات كثيرة مختلفة، من نصرة الإسلام والمسلمين، إلى الخدمات الإنسانية والاجتماعية، الكفاية الفكرية، الحد من آثار الفقر في العالم، تحسين مفهوم الثقافة الإسلامية، الاهتمام بكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والأرامل والأيتام، تشجيع البحث العلمي، لاسيَّما في مجال الإعاقة، دعم التعليم، إسهاماته في مجال العلوم… إلخ.
أجل، ذاك هو قائدنا نحو المعالي سلمان، الذي كان ملكاً غير متوج طيلة حياته العملية حتى قبل أن يعتلي سدة الحكم في بلادنا. وقد عُرِفَ عنه حتى اليوم إنه ليس لديه عطلة من خدمة الناس، إذ يتجاوب معهم حتى في أثناء إجازته والعطلات الرسمية.
أما اليوم، وقد أصبح حادياً لركبنا، قائداً لقافلة خيرنا القاصدة إلى الأبد إن شاء الله؛ فمثلما رأينا بصمة مقامه السامي الكريم راسخة في كل الإنجازات الحضارية في مدينة الرياض، ها نحن نرى اليوم بصمة عمله وإنجازاته وإبداعاته التي أعجزت كل لسان في الوطن كله، من شرقه حتى غربه، ومن شماله حتى جنوبه؛ إذ حقق لبلادنا نهضة تنموية شاملة، جعلتها شامة بين الأمم، ووضعتها في قلب اهتمام العالم شرقه وغربه، بما فيه تلك التي تدعي العظمة، التي كثيراً ما فاجأتها سياسة سلمان وحكمته ودبلوماسيته، وحزمه وعزمه وحسمه، بل أحياناً سيفه وخيله الجامحة إن لزم الأمر، فلم تعد تلك الدول (العظمى) تستطيع اتخاذ قرار، لاسيَّما فيما يتعلق بسياسة المنطقة واقتصاد العالم، إلا بعد أن تشد الرحال إلى عاصمة عبد العزيز، طلباً للرأي السديد عند شبيهه خَلْقَاً وخُلْقَاً، قائدنا إلى المعالي سلمان.
ما نحن السعوديين، فقد حقق لنا سلمان خلال هذه السنوات المعدودات، ما عجز زعماء آخرون في بلدان أخرى عن تحقيقه عبر عقود عديدة، فضلاً عن برامج رؤيتنا الطموحة الذكية (2030) التي هندسها ولي عهد سلمان القوي بالله الأمين، أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، التي آتت كثير من برامجها أُكُلها حتى قبل أوانها، والقادم أعظم إن شاء الله؛ كما وعدنا سموه الكريم (2040)؛ إضافة إلى هذه الدوحة الغنَّاء من الأمن والأمان والاطمئنان والسلام والاستقرار، فيما تغلي معظم الدول حولنا على صفيح ساخن، ذهب بوحدتها، ونخر جسدها، وغرس فيها الفتن الهوجاء، وأشعل الحروب الأهلية العمياء، حتى اختلط فيها الحابل بالنابل، ولم يعد القاتل يعرف لِمَ قَتَل، وبالمثل لم يعرف المقتول لِمَ قُتِلَ، مع أن الكل يهلل ويكبِّر.. فهدد ذاك كله استقلال تلك الدول ووحدتها الوطنية.
وبعد: هذا إذاً نزر يسير من كثير حق قائدنا سلمان علينا، الذي تخرج في جامعة الحياة، وعركها حتى خبرها، فأصبح هو نفسه جامعة كبيرة شاملة رائدة، تنهل من معينها الأجيال الحكمة والحلم والمروءة والتواضع، والعلم والسياسة والدبلوماسية والرأي السديد، إضافة للشجاعة والفراسة، والبطولة والحزم والعزم الذي ليس في قاموسه منطقة رمادية.
وإذ يحتفي الشعب السعودي الوفي النبيل اليوم بذكرى البيعة التاسعة لقائده نحو المعالي سلمان الخير، لا نملك إلا ان نرفع أكف الضراعة لله العلي القدير، أن يمتع مقامه السامي الكريم بالصحة والعافية، ويبارك لنا في عمره وعمله وذريته.. مؤكدين شكرنا وتقديرنا وعرفاننا وامتناننا لكل قطرة عرق سالت على جبينه الوضاء وهو يعمل من أجلنا، ولكل لحظة سهر وتعب من أجل رفعة بلادنا، مع تأكيدنا أيضاً بقاءنا على العهد إلى الأبد إن شاء الله، طاعة في المنشط والمكره، وغصن زيتون لمن سالم مقامه السامي الكريم، وخنجراً مسموماً في خاصرة كل من عاداه. وسنبقى كما أكدتم: كلنا، ولي أمر وحكومة ومواطنون، يداً واحدة وقلباً واحداً، مهما تعالت أصوات الناعقين بالتحزب والتشرذم، الداعين للتفرقة وشق الصف، طمعاً في دراهم معدودات، دعماً لأجندة خارجية.
وعلى كل حال، سيبقى مقامكم السامي الكريم يا خادم الحرمين الشريفين، كما أكد أخي الشاعر الفحل شبيه الريح:
مهاب في الأنام طويل قامة
قديم، قديم عهد باستقامة
عصي الوصف، سلمان الشهامة
كريم النفس في قلب البرايا
له قدرٌ عظيم واستدامة
يريد لأرضه أمناً وسعداً
يريد لشعبه عزّ الكرامة
وإن عادى، فتعساً للأعادي
أشد نوائب الدهر، انتقامه