المقالات

هل تشهد حسم معارك غزة وفق لا رابح ولا خاسر كما في بقية مناطق التوتر؟

من الصعب التنبؤ بمآلات معركة غزة، وهي لم تتعدَّ بعد مراحلها الأولى رغم العقاب الجماعي والتدمير الممنهج والتهجير القسري، وحدوث مجازر داخل غزة خصوصًا بعدما رفضت مصر تصفية القضية على حساب مصر والأردن بدعم سعودي، وهذه عادة إسرائيل في استثمار الأزمات، وهذا يوضح أسباب سرعة استعادة السعودية أمن مصر في 2013 لتكون سدًا منيعًا أمام تحقيق أمنيات إسرائيل في استعادة سيناء، بل يفسر أيضًا تقوية مصر جيشها، وتحديث أسلحتها، وإنشاء قواعد عسكرية مصرية جديدة برنيس وهي الأكبر في منطقة البحر الأحمر سبقها افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية في الساحل الشمالي على البحر المتوسط قريبًا من ليبيا في 2021، والتي تعد الأكبر والأضخم في الشرق الأوسط مما يعزز التصنيف العالمي للقوات المصرية.
فقاعدة برنيس في الجنوب في شرق مدينة أسوان لتأمين حركة الملاحة العالمية عبر محور الحركة من البحر الأحمر وحتى قناة السويس والمناطق الاقتصادية المرتبطة بها؛ وذلك ضمن رؤية مصر المستقبلية 2030، وبناء منطقة لوجستية الأولى خارج مصر في جيبوتي في 2023 يمثل زلزالًا جيوسياسيًا أزعج إسرائيل وتركيا وإيران، بل هناك أيضًا قاعدة عسكرية سعودية يمثلان أول قوة عربية تشرف على مضيق باب المندب بمثابة نقطة ارتكاز عسكرية التي تكشف المنطقة من خليج عدن حتى قناة السويس.
من الصعب التنبؤ أيضًا وفق قراءة كواليس السياسة في العواصم الغربية أن معركة غزة ستشهد حسم المعارك الميدانية في غزة وفق لا رابح ولا خاسر وفق ما قبل 7 أكتوبر 2023 كما في المشهد في اليمن وحاليًا في السودان، لأن أمريكا ترى الحق نسبيًا خصوصًا فيما يتعلق بإسرائيل التي يحق لها الدفاع عن نفسها، وكان الاصطفاف الغربي جزءًا من الوصفة الجاهزة، وهي وصفة لم تكن تجهلها حركة حماس، لكن التأثير العاطفي أو قد تكون هناك جهات استخباراتية ورطت حماس أبعدت أنظارها عن ميزان القوى الذي لا يمكن تغييره بطوفان الأقصى أغراها بما حققته الذي لم يكن مسبوقًا منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي قبل أكثر من 75 عامًا نتج عنه مئات القتلى والأسرى بينهم كبار الضباط والقادة.
قد تكون حماس ارتكزت في خطتها على العدد الكبير من الرهائن، لكن نتنياهو قال نحن نعتبر الأسرى موتى، وهو ما لم تتوقعه حماس، جعل إسرائيل تقدم على الانتقام والإقدام على القيام بمجازر لم يسبق لها مثيل، حتى جعل الدول العربية ترفض اعتبار حماس داعش، لكن المتعاطفين مع القضية الفلسطينية اعتبرت “حماس” لا تمثل سكان غزة من أجل تخفيف وطأة الضربات الهمجية على غزة عبر القيام بعقاب جماعي يدفع ثمنه سكان غزة نساءً وأطفالًا وشيوخًا وشبابًا ليس لهم علاقة بحماس، بل أصبحت غزة رهينة، وكلما قامت حماس بمغامرة دفعت الرهينة الثمن، فكيف بالغرب المتحضر يقف خلف إسرائيل بالانتقام من الشعب الضحية فغزة تظلم مرتين مرة من حماس ومرة من إسرائيل بدعم غربي.
المهم أن الولايات المتحدة نجحت في عدم انجرار الحرب في غزة إلى حرب إقليمية، فقلدت السعودية، وذهبت للصين الوسيط بين السعودية وإيران، ودعت وزير خارجية الصين وانغ لزيارة واشنطن لمدة ثلاثة أيام، لكن كانت الصين ترفض زيارة أي مسؤول صيني رفيع المستوى إلى أمريكا إذا لم ترفع أمريكا العقوبات على التجارة الصينية التي فرضها ترامب، وبالفعل رفعت أمريكا تلك العقوبات، والتقى وزير خارجية الصين ببايدن وبلينكن وزير خارجية أمريكا وجان جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، وعقدت صفقة بين الجانبين في أن تتوقف إيران عن التدخل في حرب غزة، رغم أن الولايات المتحدة دمرت مخازن الأسلحة لمليشيات إيران في سوريا، وما يحدث من الحوثي ومن حزب الله مجرد رشقات صاروخية غير مؤثرة لتظهر إيران ومليشياتها أنها تنصر غزة، كما للحوثي لديه أهداف يود تحقيقها من السعودية استثمر حرب غزة.
حضرت حماس لمثل تلك الحروب منذ سيطرتها على غزة في 2007 من خلال البعد الأفقي والعمودي من خلال بناء الأبراج التي تنبهت لها إسرائيل تقوم بتدميرها، وتحت الأرض ووفق البي بي سي يقدر طول الأنفاق ب500 كيلو متر، ويقدر عدد حماس المقاتل ب30 ألفًا، فليس أمامهم سوى العدو، فسيكون قتالهم شرسًا تعتمد استراتيجية الشد والجذب بجانب استراتيجية الدفع داخل إسرائيل في منطقة غلاف غزة.
الحرب ليست أرقامًا وكمية، فهي تدور في ظروف سياسية وجيوسياسية تفرض الكثير من التقييدات، فإسرائيل هذه المرة تقوم بعمل عسكري بعد تهيئة ظروف المنظومة الردعية الأمريكية في المنطقة خاصة ضد إيران لكنها استطاعت تحييدها بعد توسط الصين بينها وبين إيران، رغم ذلك لا تستطيع إسرائيل القضاء على حماس، وإذا لم تنتهِ إلى حل سياسي كما تدعو له السعودية بإقامة دولة فلسطينية كاملة العضوية عاصمتها القدس الشرقية بجوار دولة إسرائيلية بدعم أمريكي، فإن هذه الحرب ستؤسس لحرب مقبلة.

– أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى