المقالات

الذكاء الاصطناعي والزراعة الحديثة

تطوّرت الأساليب الزراعية عبر الزمن، من الطرق البدائية الحجر والعود، حتى الآلات الذكية في عصرنا الحاضر، ولكننا في عصر التقنيات اللامتناهية والجزيئات الدقيقة والمُعقَّدة، وصولًا للذكاء الاصطناعي. كان لا بد له من مساهمة فعَّالة في قيادة المرحلة القادمة في الزراعة الدقيقة والذكية الحديثة عمومًا، القطاع الزراعي يعتبر أحد أهم القطاعات الاقتصادية في العالم، في توفير الغذاء للكائنات الحية، وعلى رأسها الإنسان، ومع تزايد عدد سُكان العالم، ومعضلة التغييرات المناخية، والتقلبات الجيوسياسية، وتناقص مساحة الرقعة الزراعية، ومحدودية الموارد الطبيعية، ومشاكل تملح الأراضي وحموضتها، والاحتباس الحراري، والجفاف والكوارث الطبيعية، كالزلازل والفيضانات والعواصف والبراكين والانجرافات والانهيارات الأرضية، وموجات الحر وموجات البرد، وذوبان الجليد، لذا أصبحت الزراعة الحديثة مع الذكاء الاصطناعي أكثر أهمية من أي وقت مضى، ويجب الولوج لها بعمق المقـتضى.
قد يدفع الذكاء الاصطناعي عجلة الابتكار لمجابهة تلك التحديات عن طريق التحكم في قيادة التقنيات الحديثة، مما يعزز من عملها وكفاءتها، لتحقيق سلامة سلاسل الإمداد الغذائي للمحاصيل الحقلية والحيوانية، ورفع مستوى السلامة الصحية المنتجات الغذائية، وزيادة طول فترة صلاحيتها، وكذلك المكافحة الاستباقية للآفات والحشرات والأمراض، وتطوير نُظم الاستشعار عن بُعد بشكل آلي وتلقائي، وتقليل فترات الإنتاج، والأيدي العاملة، ورفع الكفاءة الاقتصادية وتقليل التكاليف التشغيلية، وحماية البيئة، عبر مجموعة من الخوارزميات في معالجة البيانات واتخاذ القرارات بدقة وذكاء وسرعة.
حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة المحاصيل الحقلية في تحليل البيانات البيئية (كدرجة الحرارة، والرطوبة، وسرعة الرياح، وحموضة التربة….إلخ) وتحليل بيانات المحاصيل كمعدل نمو النباتات، وحالة التربة، والتحكم في عمل الآلات الزراعية، ورصد الآفات والأمراض والحشرات، التي قد تصيب المحاصيل وتحديد دقيق لأوقات الزراعة المُثلى، وكذلك وقت الحصاد، وحساب المقدار الأنسب، من الأسمدة والمبيدات والمياه، بطريقة أكثر فعالية، وحاليًا بدأ استخدام الطائرات بدون طيار في رصدِ المحاصيل المزروعة، ومراقبتها لتلافى أي مشاكل محتملة في دقة وسرعة، كما يتم أيضًا استخدام الروبوتات الزراعية لأداء العديد من المهام الزراعية كالبذر والحصاد والفرز والتجنيس والنقل وغيرها من العمليات الزراعية، ومن المتوقع عند استخدام الذكاء الاصطناعي زيادة الإنتاجية للمحاصيل الحقلية بنسبة قد تصل إلى 20 %، وكذلك تحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية والمواد التشغيلية المساعدة، مما قد يؤدي إلى خفض التكاليف، وكذلك حماية البيئة من خلال الحدِّ من الاستخدام العشوائي للأسمدة والمبيدات الحشرية.
أيضًا يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين صحة الحيوانات وإنتاجيتها ومراقبة الحيوانات عن بُعد، وتحديد المشاكل الإنتاجية والغذائية والصحية والتناسلية في وقت مبكر، وتوفير العلاجات الطبية، والتحكم في تحديد كمية الاحتياجات الغذائية المُثلى وعمل الخلطات العلفية المتوافقة مع النوع والعمر والمرحلة الإنتاجية للحيوانات، وكذلك تقدير كميات المياه اللازمة وتحسين جودتها، ومن أمثلة استخدام الذكاء الاصطناعي في تربية الحيوانات كاستخدام كاميرات المراقبة لرصد الحيوانات وحركتها وصحتها، وكذلك الأرقام الإلكترونية في تحديد أماكن الحيوانات ومؤشراتها الحيوية، واستخدام الروبوتات في قياس درجة الحرارة والبيئة المحيطة بالحيوانات عن بُعد، مما قد يؤدي إلى تحسين صحة الحيوانات وإنتاجيتها، والكشف عن المشاكل الصحية البيطرية في وقت مبكر وتوفير العلاجات المناسبة، وتحسين كفاءة استخدام الأعلاف وحسن إداراتها.
كما أن الذكاء الاصطناعي قادر على إدارة المياه وتحديد المناطق الزراعية الأكثر كفاءة للمياه ومراقبة أنظمة الريّ وتحديد أماكن التسريبات والفقد، حيث يمكن رصد ومراقبة مصادر المياه ونوعها وصلاحيتها ومعدل سريانها، وكذلك رصد شبكات التوزيع وكفاءتها والتحكم في كمية الماء طبقًا للاحتياجات أكانت للحيوان أو النبات، أو الإنسان، ورصد مستوى المياه في السدود والحواجز المائية وقدرتها التخزينية، لمنع حدوث انهيارات لها، الذي قد يؤدي لحدوث فيضانات جارفة، وكذلك تحسين كفاءة الري وطريقة الري المثلى، والكثير من المهام، التي ستعمل على تحقيق هدف الألفية الثالثة المُتمثل في الاستدامة، وكذلك سلامة نقل المياه وتقليل فرص التلوث المُحتملة.
كما سيُساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة عمليتي النقل والتوزيع للمنتجات الزراعية والحيوانية، ورفع معدل التوزيع الأمثل طبقًا للاحتياجات البشرية، المبنية على الكثافة السكانية، ومعدل الاستهلاك والدخل وغيرها من المعلومات المعطاة.
حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة النقل من خلال تخطيط المسار الأسرع والآمن، وكذلك إدارة المخزونات وتوزيع العربات بشكل آلي؛ بالإضافة إلى مراقبة المخاطر المحتملة والتنبؤ بالأعطال قبل وقوعها، عن طريق معرفة نسبة الإهلاك والاستهلاك لمعدات النقل، ومقدار الحمولة، ونوع الطريق وسلامتها، بناءً على المُعطيات والبيانات المُسبقة، ومن أمثلة استخدام الذكاء الاصطناعي في النقل كالحراثة الآلية، التي لا تترك بقعة من الأرض بدون حراثة، بشكل آلي مُخطط له، والعديد من المهام التي بات الذكاء الاصطناعي يقوم بها اليوم من الزراعة حتى الحصاد والنقل والتخزين والتصنيع والتوزيع. عن طريق برمجة الآلات والمعدات والبيانات البيئية والسكانية…إلخ.
كما يمكننا اليوم وباستخدام برامج الذكاء الاصطناعي من الحصول على البيانات بل قواعد البيانات، في شتى المجالات بشكل سريع وحديث، لكنها مازالت في مراحلها الأولى وتحتاج عند قراءتها لمتخصص، وكذلك ترشيح الكثير من البيانات قبل الوثوق بها والاستناد عليها.
إلا أن هناك عيوبًا أيضًا عند استخدام الذكاء الاصطناعي المتمثل في التصرف البحت مع الأوامر القطعية غير المرنة، والتي قد لا تتوافق مع الطبيعة البشرية، وكذلك قد يعمل الذكاء الاصطناعي في زيادة نسبة البطالة؛ وذلك في التخلص من الأيدي العاملة وانخفاض الأجور، خاصة في المراحل الأولى من استخدام الذكاء الاصطناعي، والذي قد يتناقص مع مرور الوقت، للتكيف مع المهام الجديدة للأيدي العاملة البشرية، في تطوير مهاراتها، كما أنه يظل مُرتبطًا بشكل كبير بالمعلومات المُعطاة له، وأي خلل في البيانات المدخلة قد يعطي قرارات خاطئة، كما أنه يحتاج إلى طاقة بشكل دائم، وأي خلل في الطاقة الكهربائية يؤثر عليه بالشلل التام، كما أن من مخاطره هو التعرض للهجمات السيبرانية، التي قد تؤدي إلى عمل أشياء مُضادة لما هو متوقع منها، ومن الصعب تلافي ذلك، كذلك من عيوب استخدام الذكاء الاصطناعي خاصة في الوقت الراهن هو زيادة تكاليف اقتناء هذه التكنولوجيا المتقدمة، فما زالت باهظة الثمن ومن الصعب الحصول عليها على مستوى المزارعين والمربيين العاديين، وكذلك من الصعب قبول المزارعين بها والتحول التام عبرها؛ لأن العمل في القطاع الزراعي من وجهة نفسية اجتماعية تحاكي الروح والوجدان، فالعمل في القطاع الزراعي جزء من البيئة الداخلية للإنسان التي خلقها الله تعالى فيه، هناك إحساس وتمتع فريد عند العمل في القطاع الزراعي والحيواني بتعدد مجالاته وأبوابه، كما أنه يجب عمل منظومة أخلاقية كمرجعية مُلزمة عند استخدام الذكاء الاصطناعي للحفاظ على الأرواح والأخلاقيات بعدالة ومسؤولية وشفافية واحترام الخصوصية وعدم التدليس والتحيز طبقًا للجنس والعرق والدين، وكذلك تحسين أنظمة أمن المعلومات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وزيادة نشر الوعي في ذلك وتقنينه محليًا وإقليميًا ودوليًا، للوصول للاستخدام الآمن على البشرية، يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي مُتاحًا لجميع المزارعين ومُربي الحيوانات، والمنتجين والمصنعين، كما يجب اختبار أنظمة الذكاء الاصطناعي ومدى فعاليتها وأمانها ومدى صلاحيتها، من المهم أن يكون الجميع على دراية بالأخلاقيات المُتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة الحديثة قبل اتخاذ قرار بشأن استخدامها، من خلال اتخاذ خطوات لضمان سلامتها بطريقة أخلاقية، لكي تكون هذه التقنيات الحديثة مفيدة للجميع وكفى لتحقيق المبتغى.

*طالب دكتوراة – كلية علوم الأغذية والزراعة – جامعة الملك سعود

فيصل بن أحمد الشميري

طالب دكتوراة – كلية علوم الأغذية والزراعة في جامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى