المقالات

الكلمةُ فيه لمن (يعرفُ) أكثر، لا لمن (يملك) أكثر!!

في مطلع الألفية الميلادية الثانيةِ (2001م) كان نصيبُ قطاع التعليم العام، والتعليم العالي، والتدريب، من ميزانية المملكةِ (53) مليار ريال.
وفي عام 2023م – ورغم كل تداعياتِ تقلبات أسعار النفطِ – كان نصيبُ هذا القطاعِ من ميزانيةِ الدولة (189) مليار ريال!!
إنّنا نتحدثُ عن زيادةٍ تقاربُ بحوالي 357% خلال مدةٍ تقارب عقدين من الزمن، وبنسبة تعادل 17% تقريبًا من إجمالي الميزانية!
إنّ المُتتبع لهذه المسيرة المالية المتصاعدةِ بثباتٍ يلحظُ بوضوح أنَّ الذي يشغلُ هاجس القيادةِ السعوديةِ الرشيدةِ إنما هو (الاستثمار في بناء الإنسان السعودي)، إنها تدركُ أن عقل (المواطن السعوديّ) هو الثروة الحقيقية الباقية التي تُعطْي بِغَيرِ حدود، وليس النفط الذي قد ينضب يومًا ما وعطاؤهِ دائمًا محدود، وهي تدرك أيضًا أنَّ بناءَ إنسانٍ فاعلٍ بطاقاته وقدراتِهِ قد يكون أشقّ من بناءِ مدينةٍ متكاملةٍ من الحجرِ والأسمنت.
ولم تكن تلك الميزانياتُ الضخمة التي تصرف على تعليم المواطن السعودي مجردَ أرقامٍ على الورق، بل تحولتْ إلي منجزاتِ تصبُّ في مصلحةِ بناء الإنسانِ السعوديّ وتأهيلِهِ وتدريبهِ لهذا العصرِ المعرفيّ الذي باتتِ المعلومةُ فيه ركيزةَ من ركائز الحضارةِ الإنسانية.

إننا نعيشُ اليومَ عصرًا توارتْ فيه قوة السلاح لصالحِ قوةِ العلمِ، وتراجعتْ فيه كتائبُ العسكرِ أمام كتائبِ العلماءِ، وباتت الكلمةُ فيه لمن (يعرفُ) أكثر، لا لمن (يملك) أكثر.
إن من يملك المعرفة في وقتنا الحاضر ملك العالم، وها نحن نرى دولًا صغيرة الحجمِ، ضئيلة المساحة، تؤثرُ دوليًا وعالميًا أضعاف ما تؤثر دولٌ أخرى أوسع مساحةً، وأكثر سكانًا، والسببُ (العلمُ) و(المعرفة) وحسن توظيفهما. فكيف إذا توجهتْ دولةٌ بحجمِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ اقتصادًا وإنسانًا إلى تفعيل (اقتصاد المعرفة) والمزاحمة في عالم الريادةِ العلمية والابتكارية؟
من أجل ذلك سعى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، سعيًا حثيثًا لتطبيق ما جاء في رؤية ولي العهد (2030) نحو تطوير اقتصاديات التربية والتعليم في تخطيط واستثمار رأس المال البشري السعودي، للنهوضِ باقتصاد المعرفةِ. وإزاءَ هذا الدعم والتوجيه والعناية والاهتمام كان لا بدّ لشباب الوطنِ من موقفِ صدقٍ يكافئُ هذا الحنوَّ الأبويّ، والتوجه الرياديّ، من لدنْ القيادة الرشيدة.
إن شباب المملكة وشاباتها يحظون في هذه الأيام بفرصٍ هائلة، فالجامعاتُ بالعشراتِ تفتحُ أبوابها، وبرامج الإبداع المعرفيّ تنتشر في مؤسسات الدولةِ، ووسائل الإعلام تقوم بدورها توعيةً وإبرازًا، وآلاف الفرص تُطلّ من هنا وهناك.
إن المملكة اليوم ورشةُ عمل ضخمة تدورُ بلا كللٍ من أجلِ إنتاجِ جيلٍ سعوديٍّ شابٍّ يستلمُ الراية، ويساهمُ بفكرهِ وعلمهِ وإبداعاتهِ في تحقيقِ الرؤيةِ، ويواصل مسيرة بلدِهِ العظيم.
إن ما نشاهدُهُ اليوم من بروزِ الكفاءاتِ الوطنية الشابة في المحافل الدوليةِ، ونبوغِ طلابنا وطالباتنا في جامعاتِ الشرقِ والغرب، هو دليلٌ على أنَّ العطاءَ بدأ يؤتي ثماره، وأن الاستثمار في (إنسان الوطن) لم يذهب هباءً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى