قبل عدة سنوات تعرضت إحدى الشركات البريطانية لخسائر مادية فادحة، وقد أراد مدير الشركة أن يستعين بأحد المستشارين الخبراء في مجال التنظيم والإدارة لمساعدته في حل هذه المشكلة، وبالفعل تم الاتفاق مع أحد المستشارين للقيام بهذه المهمة على أن يتقاضى ذلك المستشار مبلغ مليوني دولار أمريكي؛ وعلى أن يستلم نصف المبلغ عند توقيع العقد أما النصف الآخر فيستلمه عند تسليم التقرير النهائي. بدأ المستشار مهمته في تشخيص المشكلة والتعرف على أسباب خسائر الشركة، وبعد مضي عدة أشهر، أنهى المستشار مهمته وأصبح التقرير جاهزًا للتسليم، حينها طلب المستشار مقابلة مدير الشركة وقبل أن يسلمه التقرير النهائي طلب منه المبلغ المتبقي حسب الاتفاق، وحينما استلم كامل مستحقاته، كشف عن التقرير النهائي وهنا كانت المفاجأة والدهشة حين قال المستشار للمدير هل تريد معرفة السبب الرئيس خلف خسائر الشركة المستمرة؟ قال المدير: نعم!! بكل تأكيد أريد معرفة ذلك. فقال المستشار: إن سبب خسارة الشركة هو أنت!! (يقصد مدير الشركة).
بالفعل هذا هو الواقع؛ فالإدارة دائمًا هي الساس والأساس، وهي الرأس والعقل المدبر لنجاح أو فشل أي منظمة. فإذا كانت هناك منظمة ناجحة فاعلم أن خلفها إدارة محترفة النجاح، تقودها للتوهج والمنافسة، وفي المقابل تأكد أن هناك إدارة فاشلة تسهم في تدهور حال أي منظمة تتولى قيادتها حتى وإن كانت تلك المنظمة تمتلك كافة عوامل ومقومات النجاح من إمكانيات وموارد مادية وبشرية، ومهما وصلت إليه من سمعة مؤسسية وثقافة تنظيمية قوية جعلتها فيما مضى رأس المال الحقيقي للمنظمة، وكانت أساس النجاح، واستدامة التميز، وهي من صنعت الصورة الذهنية الإيجابية لدى المجتمع داخل المنظمة وخارجها؛ إلا أنها هوت إلى القاع بعد أن اعتلت تلك الإدارة الفاشلة قمة هرم تلك المنظمة. وبحكم طبيعة عملي ومن خلال خبرتي الطويلة في مجال التدريب وفي العمل الإداري والاستشاري المرتبط ببيئة العمل في المؤسسات الحكومية؛ وجدت أن هناك عددًا من المؤشرات تؤكد على أن قصور أية منظمة عن تحقيق أهدافها هو أمر ليس له علاقة بالإمكانات المادية والبشرية لتلك الجهة؛ بقدر ما هو فشل ذريع وخيبة أمل كبيرة فيمن يديرها في المقام الأول.
ومن أهم المؤشرات التي تؤكد فشل المدير أنك ولمجرد النظر لشخصيته تجده على درجة عالية من النرجسية والميل إلى السيطرة مدفوعة بشحنات قوية من الغطرسة المتعنتة، أما فيما يخص مظهرة الخارجي فهو يحاول تقمص شخصية بعض القيادات الناجحة في أي مجال من مجالات الحياة، ولكن ذلك التقليد لا يتجاوز محاكاة تلك الشخصية في نوعية الملابس أو طريقة المشي أو في نبرة الصوت، بينما هو في الواقع بعيد كل البعد عن صفاتهم الخُلقية ونجاحاتهم العملية. لا يبرح المدير الفاشل عن التفرد بالرأي والارتجالية في اتخاذ القرارات دون الرجوع للمختصين علمًا أن بعضًا من تلك القرارات التي يتخذها لا تستند إلى أي مسوغ قانوني، بل ربما تكون مخالفة للأنظمة واللوائح. كما يحرص المدير الخائب على الاستعانة بأشخاص من خارج المنظمة رغم أنهم أقل كفاءة وخبرة من العاملين فيها، ولكي يبرر سياسته في الاستقطاب من خارج المنظمة تجده حريصًا على التقليل من شأن العاملين في المنظمة في كافة الاجتماعات ومختلف المناسبات.
وحتى عندما يريد تمكين أشخاص من داخل المنظمة فمعياره الرئيس فيمن يختار هو السمع والطاعة العمياء له، وأن يكون شعارهم الدائم (الرأي رأيك والقول قولك!!، واللي تشوفه حضرتك!!). وحتى وإن كان هناك بعض الكفاءات التي استطاعت بذكائها أن تتماشى مع عقلية ذلك المدير الفاشل فأخذت نصيبها من التمكين؛ فتمكنت ومكنت، إلا أنه وفي الجانب الآخر وبمجرد تمكين شخص واحد فاشل في إدارة ما كفيل بإفشال جهود عشرة أشخاص من أصحاب الكفاءة في الإدارات الأخرى؛ كون العمل في أي وحدة إدارية يؤثر على عمل الوحدات الأخرى. المدير الفاشل هو شخص متقلب المزاج ونرجسي الهوى، يقاطع الآخرين ولا ينصت إلى أي رأي يخالف رأيه، يتجاهل مشاعر العاملين ويرفع صوته عليهم كثيرًا بل إن نقده لاذع لا يخلو من التوبيخ والتجريح والتقليل من قدرات الآخرين وخبراتهم. خطته الحقيقية والرئيسة هي كيفية التقلب والانقلاب على خطته الاستراتيجية لذلك دائمًا ما تكون أفعاله بعكس أقواله ويدور في حلقة مفرغة. يحرص كثيرًا على أن يجعل الشغل الشاغل للعاملين هو تفكيرهم الدائم والمضني في الترقيات والحوافز، ومستمتعًا بقلقهم المستمر حول مستقبلهم المهني ومسارهم الوظيفي ناهيك عن المطاردة للحصول على حقوقهم المالية الضائعة؛ فلم يعودوا مبالين ولا مكترثين بكيفية تنفيذ مهامهم على الوجه الصحيح الذي يسهم في تحقيق أهداف المنظمة بكفاءة وفاعلية.
آخر الكلام:
اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم فرج همهم، واكشف كربهم، وثبت أقدامهم، واشف مرضاهم، وعافي مبتلاهم، وارحم وتقبل في الشهداء موتاهم. اللهم احفظ بلادنا وقادتنا بالدين وانصرهم على من عاداهم يارب العالمين.
• عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.