المقالات

الخطاب المُنتظر

قال صاحبي: انتظر العالم خطاب حسن نصر الله، وأفردت وسائل الإعلام له مساحة خاصة، وقام صانعو المحتوى من التابعين له بعمل أكثر من برومو للخطاب المنتظر، على غرار الأفلام، واللقاءات المهمة مع زعماء العالم، فهل يستحق هذا الخطاب كل هذا الاهتمام من الدعاية والترقب، ماذا كان محتواه، وما الرسائل التي يمكن استنتاجها منه؟
عند الحديث عن الخُطب لا بد أن تعود بنا الذاكرة إلى أغرب خطبتين في تاريخنا العربي كما صنفهما بعض أهل الاختصاص، وهما خطبة الحجاج عندما أراد تولية ابنه الأمر أثناء سفره من العراق إلى الشام، والثانية خطبة أبا علقمة النحوي المشهور بتقعره في حديثه، عندما اضطر أصحابه لتقديمه ليخطب بهم طلبًا للرحمة والغيث، فكانت خطبته أعجب من اختها، وثالثة الأثافي كانت أعجب وأغرب من سابقتيها، بعد انتظار وتشويق كان خطاب حسن نصر الله عصر الجمعة الماضية، مخيبًا لآمال أنصاره، وقضى على ما تبقى لديهم من شحن الدعاية، وسقط بسببها محور المقاومة من عيون المغيبين طيلة العقدين الماضيين.
على الصعيد الشخصي جاء الخطاب المنتظر متوافقًا مع ما ذكرته في لقاء سابق مع الإعلامي خالد مدخلي عبر أثير العربية، يوم الإثنين الماضي، ومتزامنًا مع لقاء عبر نشرة الظهيرة لقناة “بي بي سي”، والحمد لله أنه لم يخِب ظني به أبدًا، فالخطاب كان محتواه تبريريًا، ودعائيًا، وتضليليًا في ذات الوقت، معتمدًا على حشوه بالكثير من عبارات البلاغة المتزامنة مع رفع اليد والصوت، وتوظيف كثيرًا من المعاني الإسلامية لتخدير أهالي الشهداء، ولدغدغة عواطف البسطاء!.
ربما تكون بعض وسائل الإعلام التي قطعت برامجها من أجل الخطبة العصماء حدثت نفسها بعد نهايتها، بليتني لم أفعل!! فالمضامين الواردة فيها لا تخرج عما اعتاد الجميع سماعه بلغة فارسية، لكنه في هذه المرة ترجم للعربية، مع تغيير بعض المفاهيم التي تلامس العقلية العربية المغيبة، وتطرب لها، علمًا أن تحليل المضمون في هذا الخطاب لم يرتقِ لتطلعات الشارع اللبناني والفلسطيني، رغم تركيب الهتافات بعد وقفات مختارة، حتى تضخ الروح في خطاب متهالك خالٍ من المعاني والأماني، ويا خسارة وقتك يا صابر.
ما لفت الانتباه في الخطاب المنتظر ما قاله حسن نصرالله: “وصلتنا رسائل بأن أمريكا ستقصف إيران إذا واصلنا عملياتنا في الجنوب، وأقول لهم إن هذه التهديدات لن تخيفنا ونقول لكم إن أساطيلكم التي تهددونا بها نحن مستعدون لها”. هذه العبارة يجب أن نفككها ويقف العرب عندها طويلًا، فهي تندرج ضمن التبرير المرفوض، والتضليل المتعمد وتخدير الدهماء من الاتباع في كل مكان، والأخطر هنا هو تقديم سلامة إيران على لبنان وفلسطين والعراق وسوريا، بمعنى أوضح فليذهب الجميع وعلى رأسهم لبنان وفلسطين إلى الجحيم وتسلم إيران!!.

أيضًا يجب ملاحظة نقطة جوهرية تكشف عن انعدام المصداقية في الخطاب، وإضعافه؛ وهي قول نصر الله: ”إنه لم يعلم عما قامت به حماس إلا في الثامن من أكتوبر!!” إن صدق في هذا -ولا أظنه كذلك- فهذا يعني أن لا قيمة له من قبل أدوات إيران، وإن كل منها يعتمد سياسة الذئاب المنفردة؛ لكن المنطق العسكري والاستراتيجي يكذب نصرالله، فهذه الخطوة يجب أن يتم التنسيق فيها وعلى مستوى كبير بين الأدوات، فلا أحدٌ يجرؤ على القيام بعمل كهذا دون الترتيب مع الحلفاء، أو على الأقل إشعارهم.

ختامًا نستطيع أن نلمح تأثير الخطاب في تفاعل المتلقين له، وهو لم يحدث سوى من بعض المؤثرات الصوتية المعدة سلفًا، وهذا دليل كبير على سقوط المتحدث وفشله في عيون الفلسطينيين، ومن يرفع لواء الممانعة، فالخطاب المنتظر، كأي خطاب مرتبط بعدة سياقات منها سياق الموقف، والسياق الثقافي، والسياق العاطفي، والسياق التاريخي، وهذا الأخير يغني عما سبقه من سياقات، فأحفاد ابن العلقمي لا يخرجون عن سياق الخيانة المتوارثة في جيناتهم، فقوة الكلمة مرتبط بقوة الصورة التي ترسمها في ذهن المتلقي، ثم تنعكس على سلوكه، وهو ما فشل فيه الخطاب وكاتبه وملقيه.
قلت لصاحبي:
زعم الفرزدقُ أن سيقتلُ مربعًا أبشررررر بطول سلامةٍ يا مربعُ!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى