“جوهر الفلسفة هو جعل الإنسان يعيش بطريقة لا تعتمد فيها سعادته على الأسباب الخارجية، بأقصى قدر من الإمكان.”
وربما اختُصرت بـأن “معين السعادة هي النفس” ولعل أبكتيتوس ومن خلال فلسفته التي نقلها تلامذته وتأكيده الكبير على نمو السعادة من خلالنا يبين مداومته في تأكيد ذلك المعنى، كما أنه لا ينفي وجودها بغيرنا، إلا أنه يرمي إلى الاستمرارية التي ينشدها الجميع، والديمومة التي لطالما كانت مقصداً لسكان هذا الكوكب.
أن تتحكم في سعادتك يعني أن تملك أمرك وتملك معه بقاءها، ولك عليها سلطة مطلقة في الاستثمار، لكن إن جعلتها رهينة شيء ما مما عداك فهذا يوكلك أنت وسعادتك إليه، لتصبح عالة عليه، وسهم في جعبته يجعلك حينا محل المجد وأحيانا كثيرة قابع في ظلام تلك الجعبة.
الذي أوكل سعادته بوجود أحدهم أو صنع من المادة التي جبلت على الإقبال والإدبار محل سعده وأُنسه جدير بأن يصبح في مهب الريح ويسكن خانة المتقلب يراقب أي الحالين أقبل وأي المألين أدبر.
جوهر الفلسفة أو معين السعادة وإن كان الأول طريقا للأخير إلا أنهما اجتمعا باعتبار ما سيكون ليخبرا عن وصفة سحرية للنعيم، ونعم أن فيها ما فيها من المثالية، ولكن لكل طريق أول وآخر ومستحيل وممكن وغاية بعيدة وأخرى عاجلة قريبة ومن الحيف الحكم على طريق لم نجربه ومسلك لم نسبره.
لن تملك تجميد عمل الأخرين فيك حتى تمتلئ أولا بذاتك، وهذا أول الطريق وابتداء الغاية، إذ يجب الإعداد والتعبئة ثم محاولة التحرر من تلك الأطراف ولو على سبيل حديث النفس، ثم تكوين التصوّر الصائب حول فلسفة البداية والنهاية، وأن لكل شي آخر والذي أسعدك وجودة سيحزنك رحيله، وغيره الكثير مما هو كفيل بتقويض تلك الأصنام التي تعطينا السعادة منتظرة للثمن أو تبثها فينا إلى أجل تراه محل نظر وقابل للتعديل.
نقل لنا آريانوس عن معلمه تقسيماته الثلاث لواجباتنا وكان من بين تلك الأقسام واجباتنا تجاه أنفسنا وضرورة التطهير بشقيه الجسدي والروحي وهو شاهدنا هنا إذ شدد على ضرورة الانسجام ونبذ ما يلوث الروح ولعل ما يلوثها حقا أن تحرمها حريتها في صنع سعادتها وأن تقيم عليها لتفرض مؤثرات أخرى لتعمل فيها فتكون بذلك منصة مؤقته لصناع السعادة وإياك بعدها ان تتعجب من تلك النهايات السوداء.
ختاما. كنْ أنت معين السعادة قدر الإمكان لتحظى بوجودها عمراً أطول.