من يقرأ تاريخ الفكر أو تاريخ العلوم أو التاريخ السياسي أو أي مجال مهم من مجالات الحضارة سوف يكون أمام حقيقة شديدة الوضوح، وهي أنه لم يتحقق أي إنجاز عظيم إلا باهتمام تلقائي قوي مستغرق ….
وقد أكد الفيلسوف الأمريكي رالف بارتن بيري بأن الطاقة البشرية محكومة بقانون القيمة أما معيار القيمة؛ فهو الاهتمام التلقائي فقيمة أي شيء بالنسبة لأي شخص تكون بمقدار اهتمامه به أو نقول: إنه بمقدار قيمة الشيء لدى الشخص يكون اهتمامه به ….
وقد تناول بيري مختلف القضايا الإنسانية مطبقًا عليها قانون القيمة وفق معيار الاهتمام التلقائي …
تناول بيري هذا بتفاصيل شاملة في كتابٍ ضخمٍ بعنوان (آفاق القيمة) أما عنوانه الفرعي فهو (دراسة نقدية للحضارة الإنسانية) يقع الكتاب في ترجمته العربية ب ٦٢١ صفحة ….
إنه يرى بأن الاهتمام التلقائي يعبِّر عن الرغبة والإعجاب والإرادة الذاتية والحب والأمل، ولكل ما تشتهيه النفس وتهواه وتميل إليه بشكلٍ تلقائي …..
وهنا ندرك أسباب ضآلة نتائج التعلُّم اضطرارًا: فمئات الملايين في كل العالم يقضون ثلث قرن من أعمارهم في مراحل التعليم، ومع ذلك تأتي النتائج في غاية الضحالة ….
إن الإنسان كائن تلقائي فطاقاته واستجاباته تنساب تلقائيًا، وإذا أُلزِمتْ أو اضطرت اضطرارًا لأي مجال فإن الطاقة تتمنَّع ويكون الأداء مرهِقًا وتتسم النتائج بالضآلة وعدم الإتقان، وهنا ندرك خلل التعلُّم اضطرارًا وضرورة إحداث تغيير جذري في العملية التعليمية تؤدي إلى خلق الاهتمام الذاتي التلقائي بالمعرفة؛ بوصفها قيمة عُليا وليست مجرد وسيلة بخلاف الحاصل الآن في كل العالم..
0