المقالات

الموت من أجل الحياة!

بعد أن ملأ سقراط شعب الإغريق اليوناني حب الحكمة “الفيلوسفي”، وبعد أن بدأ في تنويره تهديدًا للخرافة والسحر والكهانة وزوالًا للجهل، كانت الوشاية والمكيدة لهذا الفيلسوف الكبير أمام ساسة عصره بدعوى تسفيه الأحلام وانتقاص الآلهة والخروج عن المألوف في بلاد لا تؤمن بجدوى التجديد وإعمال العقل.

تم الحكم على الفيلسوف الكبير بالقتل انتصارًا للآلهة وللشعب. أودع السجن واختار الفيلسوف أن يتم إعدامه على طريقة الكبار من خلال شرب سم الشكران، وهو نبات شديد السمية بدلًا من الشنق والتعليق، ومات سقراط قبل الميلاد بعدة قرون ومازال حيًّا إلى اليوم بفكره الذي تجاوز ٢٣٠٠ عام.

يقال: إن أصدقاء الفكرة السقراطية خططوا لهروبه من السجن بيد أن سقراط نفسه رفض ذلك بدعوى أن هروب صاحب الفكرة يعني هروب الفكرة نفسها، ولو فعل أي هرب – حسب تأويله آنذاك – لمات سقراط وفكرته وفلسفته ولكان نسيًا منسيًا.

فكرة سقراط كانت ببساطة تتمحور حول مبدأ بسيط مفاده “أن الأفكار والقيم والمبادئ العظيمة لا بد من الاحتفاء بها إلى آخر رمق من الحياة” شريطة أن تكون صادقة ونافعة وعادلة ومنصفة.

وبالرغم من النداءات المتكررة من أشراف العالم حول الممارسات الإسرائيلية لتهجير وقصف المدنيين الأبرياء بغية إرهابهم وتوجيههم نحو الفرار، والابتعاد عن فكرة التشبث بالأرض والوطن إلا أن هؤلاء المكلومين ضربوا أجمل الأمثلة حول التمسك بالحق والصبر في سبيله على الأذى وانتظار النصر والفرج الذي لا بد وأن تحققه عدالة السماء مهما طال الانتظار.

نعم النصر والفرج صبر ساعة، والله وحده يعلم متى تكون تلك الساعة، قد تكون مع آخر دمعة تذرفها عجوز، وقد تكون مع آخر صرخة يطلقها طفل، وقد تكون مع آخر شهقة يضج بها صدر شيخ بلغ من الكبر عتيًا، المهم في نهاية المطاف هو التمسك بالحق وهي الأرض، ولا شيء مثل الأرض.

إن المواقف الإنسانية للعالم الحر في مواجهة العدوان الهمجي اللا أخلاقي على الأبرياء في غزة تؤكد أن الخير أصيل في كثير من بقاع الأرض، تؤكد أن الإنسانية لا دين لها، ولا عرق لها، ولا لون لها، ولا حدود لها حينما يتعلق الأمر بالظلم وبالاستبداد وبالطغيان! تؤكد أن الشر لا يمكن تخبئته، والقهر لا يمكن تزييفه، والعدوان لا يمكن الكذب بشأنه..

وحينما يعلو الظالم علوًا كبيرًا يكون الرد الإلهي أعظم منه وأكبر.. هذه هي مشيئة الله، وتلك نواميس الكون.. ولن تجد لسنة الله تبديلًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى