المقالات

الحرب على غزَّة، وغَيْرَةُ شبابنا..

أكثر من ثلاثة وثلاثين يوما وصهاينة يهود مستمرون في شنِّ هذه الحرب الوحشية الجائرة ضد الفلسطينيين في غزة. حرب ضارية قاسية لا تراعي أيَّ قانون، ولا تحترم أيَّ اتفاقيات، ولا تسمع لأيِّ نداء، ولا تستجيب لأيِّ وساطة.. حرب تناست أخلاق الحرب التي تعارف عليها البشر منذ القدم ونص عليها القانون الدولي المعاصر! ولكن، متى كان اليهود يعرفون الأخلاق؟ أليسوا قتلة الأنبياء من قبل؟! فكيف يكون لهم اليوم حظ من أخلاق في حربهم على أبناء الشعب الفلسطيني؟!
ولا غرو إذا أن نرى هذه المجازر التي يرتكبونها أمام مرأى ومسمع العالم كله في حق سكان غزة، وكأنه عقاب جماعي لأولئك البشر لا يَسْتثني ولا يُميّز!
وليس أحد إلا ويعلم يقينا أن اليهود لا يرقبون في مسلم إلاً ولا ذمة؛ فكم من الأحقاد الدفينة والظاهرة حملتها صدورهم على المسلمين منذ بزوغ فجر هذا الدين الحنيف، وتَنَزُّل الوحي الشريف الذي فضحهم وكشف نهجهم، وقصَّ أخبارهم…!
إن هذه الحرب التي يخوضها اليوم زعماء اليمين المتطرف من اليهود ــ بدعم من الصهيونية العالمية ــ في غزة المحاصرة المعزولة، لهي ُحرب مدفوعة بشحنات انتقامية لا حدود لها، وما هذه المجازر التي تُرتَكب في حق الأطفال والنساء والشيوخ؛ إلا دليل حقد دفين انطوت عليه قلوب هؤلاء القتلة المغضوب عليهم حتى تقوم الساعة، وكأنهم يريدون القضاء على الحرث والنَّسْل بين الفلسطينيين في غزة، والدفع بمن يبقى منهم ــ ممن لا حيلة له ــ ليهجر أرضه قهرا وقسرا؛ حتى تصبح مراتع لكل يهودي منتن! وسوف يخيب الله ظنهم، ويرد كيدهم في نحورهم طال الزمان أم قَصُر، فهذا وعد الله الذي لا يختلف.
لقد باتت غزة اليوم منكوبة بكل معاني ودلالات هذا المصطلح، لم تعد تملك من مقومات الحياة ما يتزود به أبناؤها، أو يداوون به مرضاهم وجرحاهم، حتى بلغ من حالهم أنهم لا يجدون في المستشفيات ــ التي لم تسلم من القصف الوحشيّ ــ وسائل التخدير التي تعطى لمن يحتاج لعمليات جراحية بما فيهم الولادات القيصرية! فضلا عن قدرة أولئك المساكين على الدفاع عن أنفسهم!
وقد تذكرت الآن وأنا أكتب عن بعض ما يعانيه إخواننا في غزة جراء هذه الهجمات الهمجية المتوحشة التي يواصل جيش الاحتلال اليهوديّ تنفيذها في قطاع غزة جوا وبرا وبحرا؛ ليقطع عنها شريان الحياة من كل اتجاه.. تذكرت أبياتا من قصيدة لشوقي ــ رحمه الله ــ كتبها سنة 1912م عندما توالت الأخبار عن سقوط مدينة (أدِرْنَة) المسلمة في إقليم البلقان خلال الحرب العالمية الأولى، وصوَّر بخيال الشاعر الفذّ وإحساس المسلم الغيور ما حدث لأهل تلك المدينة.. ومما قاله في تلك القصيدة الخالدة (يا أخت أندلس):
أَوَ ما تَراهُم ذَبَّحوا جيرانَهُم
بَينَ البُيوتِ كَأَنَّهُم أَغنامُ
كَم مُرضَعٍ في حِجرِ نِعمَتِهِ غَدا
وَلَهُ عَلى حَدِّ السُيوفِ فِطامُ
وَصَبِيَّةٍ هُتِكَت خَميلَةُ طُهرِها
وَتَناثَرَت عَن نَورِهِ الأَكمامُ
وَأَخي ثَمانينَ اِستُبيحَ وَقارُهُ
لَم يُغنِ عَنهُ الضَعفُ وَالأَعوامُ
وَجَريحِ حَربٍ ظامِئٍ وَأَدوهُ
لَم يَعطِفهُمُ جُرحٌ دَمٍ وَأُوامُ
وَمُهاجِرينَ تَنَكَّرَت أَوطانُهُم
ضَلّوا السَبيلَ مِنَ الذُهولِ وَهاموا
السَيفُ إِن رَكِبوا الفِرارَ سَبيلُهُم
وَالنِطعُ إِن طَلَبوا القَرارَ مُقامُ
يَتَلَفَّتونَ مُوَدِّعينَ دِيارَهُم
وَاللَحظُ ماءٌ وَالدِيارُ ضِرامُ
رحم الله أمير الشعراء، كيف به لو كان بيننا اليوم ورأى بأم عينيه ما تنقله شاشات التلفاز من مذابح ــ لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلا ــ يرتكبها اليهود في حق أهل غزة؟ وما كان عساه أن يقول؟!
والحديث عن هذه الحرب الآثمة: أسبابها، ودوافعها، والأطراف المسؤولة عنها.. يطول، وكلُّ وسائل الإعلام في كلّ العالم تتحدثُ فيها، وتكتبُ عنها.. فهذه الحرب ليست كأيّ حرب تنشأ هنا أو هناك جراء نزاع بين طرفين متكافئين أو شبه متكافئين، ولكنها حرب يشنها جيش كبير في عدده وعتاده وعدته.. وتقودها حكومة متطرفة، وتدعمها قوى كثيرة.. ضد أبرياء وجدوا أنفسهم في أتون هذه الحال المؤلمة بلا ذنب!
ولأنها حرب ظالمة قاسية غير متكافئة؛ فقد أصبحت الشغل الشاغل للعالم كله، واضحت تُلْهب مشاعر الناس على خلاف أطيافهم.. وأثارت مشاعر أبنائنا وبناتنا من الشباب خاصة، الذين يخوضون في الحديث عن حرب غزة بدافع من غيرتهم الدينية والعربية، وهي غَيْرة مشروعة بل ومحمودة؛ لأن الأمة جسد واحد.
والأمر الذي أراه حريا بالانتباه والقلق هنا، هو أن شبابنا ــ أو كثيرا منهم ــ يتلقفون أخبار هذه الحرب وما يحدث هناك في غزة.. من مصادر حريصة على استثارة حميتهم، وإشعال غيرتهم وتحريضهم.. بأساليب ممنهجة ــ ليست بأقل خبثا مما يصنعه اليهود في أهل غزة ــ هدفها تشكيك هؤلاء الشباب ــ قليلي الخبرة والدراية ــ في مواقف بلدانهم من هذه الحرب، وإغراؤهم بأن البلدان العربية ضعيفة في مواجهة اليهود وإرغامهم على إيقاف الحرب، بل ويذهبون بهم بعيدا من خلال ما ينفثونه من سموم ليتساءلوا: لم لا ندخل جميعنا في حرب تدافع عن فلسطين؟!
وإذا كنا نحمد لشبابنا وفتياتنا هذه المشاعر التي تدلل على سلامة فطرتهم، وعنايتهم بشأن أمتهم، ومشاركة إخواننا الفلسطينيين في غزة آلامهم، ورفض ما يتعرضون له من ظلم وتقتيل وتهجير.. إلا أنه من أوجب واجباتنا اليوم أن نخشى على هؤلاء الشباب من السُّموم التي تُدَسُّ لهم وتتسرب إليهم مخاطبةً (عواطفهم) و(قاصدة) تغييبَ عقولهم، لتُنْتجَ منهم ــ لا قدر الله وفي حين غفلة منا ــ دواعش جدد، وأدوات لتحقيق أجندات تستهدفنا، فلا نستيقظ حتى نجد أبناءنا حطبا تُسَعَّر به نار ٌتبتغي إحراقنا من جديد! وقد كفانا الله شرها بفضله، ثم بحزم وفطنة ويقظة قيادتنا الرشيدة من عدة أعوام.
إن الحقيقة التي يجب ألا نغفل عنها، هي أن كثيرا من شبابنا لا يتابع وسائل إعلامنا الرسمية من قنوات تلفزيونية وإذاعية، ولا يقرأ ما ينشره الكتاب الثقات حول هذه الحرب.. ولو فعلوا ذلك لكُفِينا كلَّ هذا القلق؛ لأنهم حينئذ سوف يسمعون ويرون مواقف حكومتنا الرشيدة ــ أيدها الله ــ وجهودها المباركة والكبيرة والمؤثرة في هذه الأزمة. فالدبلوماسية السعودية تجوب العالم شرقه وغربه لإنكار ما يفعله اليهود في هذه الحرب، وخلق موقف عربي وعالمي ضد هذه الهمجية. وعلى صعيد المساعدات الإنسانية وإيصالها لأهلنا في غزة انطلقت حملة تبرعات رسمية باركها تبرع سخي من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده حفظهما الله. حتى انطلق جسر المساعدات الجوي من مركز الملك سلمان للإغاثة لتصل المساعدات لمدينة العريش ومنها إلى داخل غزة.
ولم يتوقف عقد القمم العربية والإسلامية حتى هذه اللحظات لبناء موقف صلب وقوي يعزز إيقاف العدوان وصد الهجمات عن غزة وأهلها، وتم تسخير البرامج والأقلام للدفاع عن فلسطين. وهذا المنهج الذي تتبناه بلادنا ــ أعزها الله ــ من القضية الفلسطينية ثابت ومتجدد منذ عهد الملك المؤسّس طيب الله ثراه حتى يومنا هذا.
فمن يلفت الشباب إلى هذه الحقيقة؟ ويحفزهم لمتابعة مواقف بلادهم المشرفة في هذه القضية وكل قضية تتعرض لها أمتهم؟ ومن يحميهم من تغوُّل المصادر التي تستهدفهم (فكريا وعاطفيا) بواسطة القنوات المشبوهة، والمنصَّات المريبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى من خلال الألعاب الإلكترونية؟!
ومن يعمل على تفتيق مداركهم، ليخْلُق فيهم القدرة على الوعي الذاتيّ بحقيقة ما يحدث والقراءة الناضجة الواعية بأبعاده جميعها.. حتى يستوعبوه جيدا؟ ومن يُحيلهم إلى التاريخ، ومن قبله السيرة النبوية المطهرة ليتعلموا كيف ومتى تكون النُّصْرة للمستضعفين من المسلمين وغيرهم؟!
إن من واجب كلّ أبٍ وكلّ أمٍّ اليوم، بل وكلّ معلم ومعلمة، أن يتنبهوا إلى هذا الأمر ويدركوا خطورته؛ ليحموا أبناءهم ومن استرعاهم الله فيهم من هذا الخطر.. وأن يوجهوهم إلى ما تقوم به الدولة ــ أعزها الله ــ من جهد حثيث لا نظير له في خدمة القضية الفلسطينية بعامة، وفي كبح جماح هذه الحرب الجائرة الظالمة التي يشُنُّها اليهود على قطاع غزة بخاصة.
حفظ الله الوطن العزيز من كلّ سوء، وبارك جهود قيادته الحكيمة، وأصلح الشباب ووفقهم لما فيه خير بلادهم وأمتهم… ونسأل الله السلامة والعافية والنصر لإخواننا في غزة وفلسطين. محمد عمير
مكة المكرمة في 26 رب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى