المقالات

قراءة في البيان الختامي للقمة العربية – الإسلامية غير العادية

ربما أنها المرة الأولى التي تعقد فيها قمة عربية – إسلامية مشتركة؛ حيث نجحت الرياض في جمع قادة وزعماء العالمين العربي والإسلامي تحت سقف واحد للنظر في حدث على جانب كبير من الأهمية والخطورة، حدث أصبح حديث العالم كله، والخبر الأول في الإعلام العربي والغربي، والمعني بذلك الحرب الشعواء التي تشنها إسرائيل على المدنيين في غزة برًا وجوًا وبحرًا، ليلاً ونهارًا، والتي بدأت في السابع من أكتوبر 2023 وما زالت مستمرة حتى الآن، وبأسلحة محرمة دوليًا، مستهدفة الأطفال والنساء والمدارس والمستشفيات بشكل خاص، مع حرمان أهالي القطاع من الطعام والشراب والأدوية والوقود كعقاب جماعي، ومع تهجير قسري لحوالي مليون ونصف من أهالي غزة من شمال غزة إلى جنوبها؛ وذلك كله من خلال حصار محكم على القطاع يضم داخله أكبر سجن غير مسقوف في العالم يعيش فيه أكثر من مليوني شخص في رقعة من الأرض هي الأكثر كثافة سكانية في العالم، وهو ما لم نشهد مثيلًا له التاريخ المعاصر منذ المحرقة النازية وحصار ستالنجراد، وقنبلتي هيروشيما ونجازاكي، وحرب فيتنام..

وربما أنها المرة الأولى التي تتوحد فيها الآراء والمواقف والتوجهات من قبل زعماء الأمة العربية والإسلامية مجتمعين، وتوحدهم حول هدف واحد، هو الانتصار لقضية العرب والمسلمين المركزية وإدانة قوية للمعتدي الإسرائيلي عبر رسالة واضحة المعاني وجهتها القمة للعالم كله بشكل عام ولدولة المحتل الإسرائيلي بشكل خاص بأنه لا يمكن أن يحل الأمن والسلام في المنطقة وفي العالم بدون التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية على أساس القرارات والمرجعيات الدولية وفي مقدمتها حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام، وهو ما أكد عليه سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس القمة بقوله: “السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة هو إنهاء الاحتلال والحصار والاستيطان، وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة بحدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية”، وهو ما تضمنه أيضًا البيان الختامي للقمة بالقول إن “السلام العادل والدائم والشامل” هو السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة.”

كما أنه لا يمكن للعالم غض الطرف عن انتهاكات إسرائيل لمبادئ القانون الدولي الإنساني ولشرعة الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان، واتفاقيتي جنيف الرابعة، وأنه حان الوقت لمحاسبة إسرائيل على جرائمها في حق الشعب الفلسطيني والتي وصلت إلى ذروتها في هذه الحرب الوحشية التي تستخدم فيها أحدث أنواع الأسلحة الأمريكية والأوروبية ضد شعب شبه أعزل، وهو ما نص عليه البيان الختامي للقمة “بدعوة جميع الدول إلى وقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل التي يستخدمها جيشها والمستوطنون الإرهابيون الذين يقتلون الشعب الفلسطيني ويدمرون منازلهم”.

وربما هي المرة الأولى التي يسمع فيها العالم صوت الأمة العربية والإسلامية عاليًا مدويًا في إدانة جماعية للعدوان الإسرائيلي الغاشم على القطاع، وفي التمسك في تحقيق المطالبة بوقف إطلاق النار دون شروط أو قيود، والرفض التام للتهجير القسري وتصفية القضية الفلسطينية، وإدانة العقاب الجماعي واستهداف المدنيين، وإدخال المساعدات الإنسانية دون شروط أو قيود لأهل غزة وذلك بتأمين ممرات إنسانية عاجلة ودائمة.

انعقاد القمة في حد ذاته يعتبر إنجازًا وتتويجًا على صعيد نجاح القضية الفلسطينية في فرض واقع عالمي جديد تم ترجمته من خلال هبة العالم شرقًا وغربًا عبر موجة احتجاجات عارمة شملت مدن وعواصم العالم تنديدًا بفظائع الجرائم والمذابح الوحشية الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، وانتصارًا لقضيته العادلة.

إن قراءة متأنية ومتعمقة للبيان الختامي للقمة يؤكد على أن تلك القمة تعتبر الأكثر أهمية في تاريخ القمم العربية والإسلامية، لما حققته من هدف إحياء القضية الفلسطينية وتفعيلها، وأهمية التوصل إلى حل لها عبر مفاوضات جادة لا سبيل فيها للمراوغات الإسرائيلية، إلى جانب الرسالة التي حملتها للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية بوقوف الأمة العربية والإسلامية بجانبهم دعمًا وتأييدًا ومساندة، ولعل أبرز ما تضمنه البيان الختامي للقمة الإدانة القوية والصريحة للعدوان الإسرائيلي بالقول: “ندين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وجرائم الحرب والمجازر الوحشية واللا إنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية”، والمطالبة بوقفها على الفور. كما جاء رفض الزعماء العرب والمسلمين في بيانهم الختامي توصيف هذه الحرب الانتقامية الوحشية التي تشنها إسرائيل على القطاع بأنها “دفاع عن النفس”، بأنه رد بليغ على ما يردده الغرب دومًا بعد كل عدوان تشنه إسرائيل على الشعب الفلسطيني بأنه دفاع عن النفس، فالدفاع عن النفس لا يعني قتل الأطفال والنساء وفرض الحصار وتجويع الناس وحرمانهم من أبسط حقوق الانسان. ويعتبر مطالبة البيان الختامي للقمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باتخاذ “قرار حاسم وملزم” يفرض وقف العدوان، بمثابة وخزة لضمير هذه المنظمة الدولية التي تبدو في كثير من الأحيان بأنها تشجع على اندلاع الحروب وليس وقفها، وهو ما اتضح في موقف الولايات المتحدة من رفضها لوقف إطلاق النار في حرب إسرائيل على غزة، وهو ما أشار إليه رئيس القمة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بقوله: “إننا أمام كارثة إنسانية تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي في وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني”.

يمكن القول استنادًا إلى ما سبق أن القمة العربية – الإسلامية المشتركة غير العادية تعتبر، إلى جانب كونها تظاهرة لزعماء العرب والمسلمين ضد العدوان الإسرائيلي الوحشي على القطاع، ودون أدنى مبالغة، نقطة تحول في مسار القضية الفلسطينية إحياءً وتفعيلاً وتدعيمًا، خاصة وأنها جاءت بعد الزلزال الأمني الذي تعرضت له إسرائيل صباح السابع من أكتوبر، وبعد الهبة الجماهيرية العالمية ضد إسرائيل التي شملت العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى