انطلاقًا من المكانة المرموقة التي تحتلها المملكة العربية السعودية بين دول العالم كدولة ذات قيادة وسيادة على المستويين السياسي والاقتصادي، كإحدى مجموعة العشرين(G20) الاقتصادية، وبصفتها القلب النابض للعالم الإسلامي كونها مهد الإسلام ومبعث خاتم المرسلين محمد ﷺ خير الأنام، ومنطلق نور الهداية للعالمين؛ ولأنها قبلة المسلمين وحاضنة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة؛ ناهيك عن الموقع الجغرافي المتميز الذي يُعد جسرًا يربط العالم شرقه بغربه، شماله بجنوبه؛ لذا نالت شرف التقدير العالمي باتزان سياستها ومعايرة تصرفاتها وفقًا لمنطق العقل والحكمة، مما جعلها منارة يقتدى بها على كافة الأصعدة، لذا تبوأت الصدارة في المبادرات لحل قضايا العالم والإسلامي بخاصة، لنشر السلام، ومشاطرة المنكوبين معاناتهم؛ انطلاقًا من مبدأ قيمي أخلاقي ينبثق من تعاليم الدين الإسلامي لحديثه ﷺ : “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
هذا الشعور المختلج بالمسؤولية أنتج حراكًا منقطع النظير لدى حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ليوجد زخمًا من الاهتمامات المشتركة التي اتقدت بفعل تلك الطاقة المستعرة من الشهامة والمروءة والنخوة تؤزها رابطة الدين والأخوة التي ألهبت دافعية ساخنة من الحمية والغيرة لنصرة الأشقاء الذين يتعرضون للإبادة الممنهجة، ولما يشاهد من جرائم بشعة لا تطيق الأعين رؤيتها فضلًا أن تتحملها القلوب التي هي مدار الرحمة لتتعالى نداءات الشجب والاستنكار بل والرفض القاطع لآلة القتل والتمزيق والهدم والتنكيل والسحق والتهجير بحقد دفين وإرهاب متمادٍ غير متردد، دافعه التمدد والتوسع على حساب الأشلاء الممزقة والأرواح التي تئن وتستجير ولكن دون جدوى!!
إنها حضارة الغرب المزيفة بل وادعاءاتهم الكاذبة المغلفة بعنصرية منحازة ظالمة تنشر الطغيان وتحرض على الاستبداد، والتي جعلت من منظمة الأمم المتحدة أداة لتمرير أيديولوجية الاستعمار بدلًا من احترام المواثيق وإعطاء الحقوق وفرض سلطة القانون، لتكون أشبه بتحكيم الألعاب الإلكترونية التي لا تكافئ إلا المنتصر بل ولا تعترف بسوى القوي الغالب، كما لا تصفق وتلفق إلا لمن يتوافق ومنهجية الصهيونية وحسب!!
لقد أصدرت المملكة العربية السعودية عدة تصريحات منذ اندلاع القتال في غزة وتمادي الاحتلال الصهيوني المستعمر على استهداف الأعيان المدنية بغوغائية وهمجية غير منضبطة لتصفية الغزاوية بلا هوادة وبلا إنسانية – إذ هم مفرغون منها تمامًا – فكانت عبارات السعودية أشد قصفًا وصفعًا من قذائف الصهاينة ومن يؤيدهم ويدعمهم بلغة صارخة منصفة صادقة واضحة؛ لتبين حجم القوة والمنعة والنصرة ولتضع المعتدين على المحك دون مواربة أو مجاملة للقوة التي ترى نفسها عظمى أو تنصب نفسها كشرطي العالم، فيما ترسخ مبادئ الظلم والاستبداد المناهضة للعدل والمساواة!!
ولأن لغة الخطاب السعودي تصاعدت مرارًا تبعًا لفضاعة آلة العدو وسطوتهم استنادًا لدعم غربي غير مستغرب، فمن يفقد مبادئ الأخلاق يفقد كل معاني الإنسانية، ومن يفقدهما فقد خوى وهوى وسقط في وحل الحيوانية التي تحكم بشريعة الغاب ليس إلا!!
ولأن المملكة العربية السعودية انطلاقًا من مكانتها ومسؤوليتها منذ عهد الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه- ومن ثم أبنائه الأبرار حتى هذا العهد الزاهر لملك الحزم والعزم الملك سلمان – حفظه الله- وسمو ولي عهده الأمين- أيده الله – تنظر للقضية الفلسطينية على أنها دينية قومية وجودية لذا فإنها تنافح وتدافع وتبذل كافة الجهود؛ دعمًا ومؤازرة من أجل حصولها على استقلالها منذ بواكير الاحتلال الصهيوني الغاشم قبل أكثر من (75 عامًا) دون فتور أو كلل لتجعل منها أولوية لا تنفك عن سياستها الراسخة والثابتة حتى تحصل على حقها المشروع كدولة مستقلة!
ولما لم تجدِ تلك التحركات الدبلوماسية نفعًا، ولم تسفر إلا عن التعنت وتصلب الرأي المنحاز للجور والعدوان دونما استجابة لصوت العقل والحكمة دعت المملكة العربية السعودية لعقد اجتماع عاجل واستثنائي؛ لتوحيد الجهود ولملمة الصف للخروج بموقف جماعي موحد يعبر عن الإرادة العربية والإسلامية في وجه الصلف والتعنت والتحدي الإسرائيلي لتأتي القمة الثالثة العربية الإسلامية التي عقدت في عاصمة القرار السياسي لتستجمع القوة المعنوية المنبثقة من تصور إيماني (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ( والذي لن يتحقق إلا باجتماع الكلمة ووحدة الصف ونبذ الفرقة والتشرذم!!
ليجتمع هنا قادة العالم العربي والإسلامي في عاصمة العز والتمكين لتكون رسالة بأن الإسلام قوة يعلو على كل قوة!
ولأن المملكة العربية السعودية تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأولى، وانطلاقًا من الدور التاريخي الذي ينبع من الشعور بالأهمية الدينية للمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، ولفلسطين الأرض المباركة، مهد الأنبياء، ومسرى النبي ﷺ فقد عقدت في غضون أيام قلائل قمتين متوالية هي: القمة السعودية الأفريقية، والقمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، والتي عقدت يوم السبت ٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٥هـ، لتؤكد الوقوف الحازم في صف الأشقاء مناصرة لقضيتهم وحقنًا لدمائهم، لتضع العالم أجمع أمام واجبه التاريخي لإنصاف الشعب المكلوم والمغلوب على أمره جراء مؤامرة وقرار مشؤوم لاحتلال أرضه المغصوبة بالعنوة ليس إلا ليكون موطئًا لأشتات وشذاذ أفاق لا تربطهم سوى الصهيونية المكرسة للقتل والاستحواذ على الأوطان والخيرات وقتل من لا ينتمي لعصبتهم، وكحرب وعداء للإسلام!!
وقد جاء عقد القمة العربية الإسلامية حاليًا ليؤكد التضامن في وجه التكتل الغربي، ولتترجم القوة الإسلامية التي لا يُستهان بها إذا ما توحدت أهدافها وتناغمت سياساتها ومشاعرها لترسم أطر جديدة تحجم مطامع الغرب الاستعلائية التي تستهدف أمن الدول واستقرارها لجعلها هدفا لجشعها الاستعماري أو لبسط نفوذها العسكري أو استنزافها الاقتصادي لترتقي على حساب أهل الحق في استخفاف بالشعوب وقدراتها ومقدراتها، إنها سياسة الغرب التي تقتات على فقر الشعوب وتجهيلها لتبقى رهنًا لأفضالها أو أسيرة لهباتها، أو عبيدًا لإذلالها!!
وهيهات أن يرضخ العرب والمسلمون لتلك الإملاءات العنصرية أو أن يحتكموا لقانون الفجور والمافيات التي لا ترى لأحدٍ حق العيش سواها، ولسان حالهم يردد قول عنتر بن شداد:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ
بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ
وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ
إن لهذه القمة الحاشدة بعددها ونفوذها، وهي تعقد بدعوة سعودية مضامين عميقة وأهداف سامية يمكن استنباطها من عدة وجوه:
⁃ أن السعودية بما تحظى به من ثقل ديني وسياسي واقتصادي تعد مركزًا للقرار الذي ينتظره العالم في القضايا المصيرية؛ لتحقيق العدل والإنصاف بحيادية ونزاهة انطلاقًا من مبادئ ثابتة وقيم راسخة تحتكم لها!
⁃ أن هذه القمة التي تعد الأكبر بعدد رؤساء الدول والوفود المشاركة تترجم التضامن الإسلامي ووحدة الهدف الذي يرفض في مجمله العدوان الإسرائيلي بشتى أشكاله، بل يقف موقفًا صارمًا لوقفه والحد من تبعاته المكثفه لحالة الاحتقان والدمار لغزة وللوطن العربي والإسلامي بحاله!
⁃ أن الاستجابة السريعة والعاجلة لدعوة المملكة لعقد هذه القمة الاستثنائية تعكس استحضار معاناة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأعنف حالة إبادة جماعية، كما يترجم مشاطرة القادة والشعوب للألم الذي ينتاب أهلنا في غزة العز والصمود، واستشاطة مشاعر المسلمين قاطبة جراء تلك الانتهاكات الصارخة التي تدمي القلوب، وهي إذ ذاك تتطلع لنتائج تحقق العدالة والحماية وإيقاف نزيف الدماء وبما يكفل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة وفقًا لبنود المبادرة العربية التي تستند لحدود 1948م.
⁃ لقد كانت كلمات رؤساء الدول والوفود ساخنة وقاسية ومباشرة لتصب كامل المسؤولية على دولة الاحتلال، كما تعبر عن قوة الموقف في ضرورة التحقيق في جرائم الحرب لمعاقبة المعتدي الغاشم.
⁃ كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، مما يعني الانتقال للعمل الإجرائي على الأرض للوصول للمحتاجين عنوةً، وعدم الاكتفاء بمجرد التنديد والشجب والاستنكار.
⁃ وبالعموم اتسمت لغة البيان الختامي بالقوة والصلابة والحسم في كثير من الارتباطات المشكلة في هذه الأحداث المؤلمة والتي أكدت بشكل قاطع على رفض التهجير ووقف جرائم الحرب والإفراج عن السجناء والمعتقلين واستنكار ازدواجية المعايير من الدول التي تدعم إسرائيل أو تشرعن لاعتداءاتها، كما شكلت لجنة من وزراء خارجية المملكة وعدة دول لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة.
إضاءة قلم:
لقد دأبت المملكة العربية السعودية على دعم قضايا العالم الإسلامي ونشر السلام، ومحاولة التدخل لإطفاء أي حالة نزاع دولي على المستوى العالمي انطلاقًا من كونها دولة ترسخ معاني الأمن والاستقرار والتعايش وحق الشعوب في تقرير المصير.