في قصة إنسانية نادرة لم نسمع عنها من قبل في أي مكان، ولم نشاهدها في أي وسيلة من وسائل الإعلام سواء كانت وسائل إعلام تقليدية أو حديثة وبمختلف محتوياتهما، أو حتّى قرأنا عنها في الكتب أو الصحف، ولا أعتقد أن نسمعها هنا أو هناك، أو أن تتكرر كثيراً في عالمنا المتناقض الذي قد تناسى للأسف الكثير من معاني الحب والوفاء والاحترام والإخلاص، وليس لاستحالة حدوثها مرة أخرى ولكن لصعوبة أن تجد من يقدس القيم الفاضلة بكل معانيها في وقتنا المعاصر بكل أسف، فقد طغى في مجمل حياتنا المتسارعة الشكل على المضمون، وساد سوء الظن على حسنه، واحترقت الكثير من صور التقدير والعرفان والمحبة في دواخلنا. ولكن هنا الارتباط القوي والملاحظ في واقعة الطالبة المتوفاة خلود _رحمها الله تعالى _ والأُستاذة فاطمة يلفت النظر وبشدة، والذي يستحيل أن يصدق لولا أن أحداثها الحقيقية وقعت في صرح تعليمي بارز.
وواقع القصة يتناول منح درجة الماجستير أمس الأربعاء الموافق 15نوفمبر 2023م بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة كلية علوم الإنسان والتصاميم قسم الغذاء والتغذية وبعد مناقشة رسالة الماجستير والتي قامت بها المشرفة على الرسالة الدكتورة فاطمة محمد علي يوسف نيابة عن طالبتها خلود بتوا التي فاضت روحها الطاهرة أثناء عملها الدؤوب على استكمال رسالتها تحت عنوان: “تأثير مكمل مستخلص القهوة الخضراء على زيادة وزن الجسم، ومقياس مستوى الدهون لدى البالغين في المملكة العربية السعودية” وقد قامت الجامعة مشكورة بمنح درجة الماجستير للطالبة المتوفاة_غفر الله لها ورحمها وأسكنها فسيح جناته _تقديراً لجهودها المبذولة، وتقديراً لمشاعر أسرتها المكلومة. وهي خطوة موفقة تُحسب بفخر لجامعة المؤسس وتدل على خالص نبلها، وتقديرها لجميع طلاب وطالبات العلم، ومدى حرصها الكبير على مبادلة الوفاء بالوفاء، والإيمان بعظيم رسالتها التعليمية في هذا الوطن المعطاء.
ونتساءل جميعاً وبكل صدق حول ماحدث صباح أمس الأربعاء في أروقة جامعة الملك عبدالعزيز العريقة مابين الأستاذة الفاضلة وطالبتها المتوفاة_رحمها الله تعالى_ ونقول وبكل أمانة ماحدث من أي شعور يمكن أن نصفه؟ أو من أي إحساس نستطيع أن ننعته؟ أو من أي عاطفة عميقة من الممكن لنا أن نسميها؟ ونتساءل أيضاً هل ما حدث هو من باب الإنسانية الحقة بمجمل تفاصيلها الجميلة؟ أم من باب الوفاء النادر من الأحياء للراحلين؟ أم هو من باب العهد الوثيق والتي أشرقت تفاصيله الوضاءة بين الأستاذة وطالبتها، وإن صح التعبير مابين الأم القديرة وابنتها الطموحة؟ حقيقة يعجز كل أنيق الحروف، ويتعثر كل بديع الكلمات، ويتلعثم كل باهي الجمل؛ لوصف المعاني النبيلة لهذه الواقعة الخالدة.. باختصار وبلا أي أدنى مبالغة هي وقفة جديرة بالحديث عنها، وتستحق التأمل والتفكير والتقدير والاحترام عبر ثنايا مجريات حياتنا. أصدق التعازي والمواساة لذوي المتوفاة وألهمهم الله الصبر والسلوان في مصابهم الجلل.