يُعرف الفَصْد بكونه من المزاولات الطبية البائدة التي لم تعد ذات حاجة في وقتنا المعاصر لما حققته العقول البشرية من تقدم طبي كبير، إلا أنه وجد له متَّبِعين مؤخرًا حاله كحال بعض الممارسات التي تلقى قبولًا في بعض أوساط ممارسي الطب البديل.
فالعالم المسلم الفذّ إسماعيل الجذري (١١٣٦-١٢٠٦م) كان أوَّل من أرّخ الفصد في كتابه “كتاب في معرفة الحيل الهندسية”؛ واصفًا إياه كـ”عملية ادرار الدم من الجسم بإحداث ثقوب عند أوردة معيّنة ابتكرها الفراعنة القدماء، فيقف كاتبين على رأس المريض يحسبون كمًا من الدم ينزف في إبريق يوضع أسفله”، وتطرق الطبيبان الإغريقيان “أبقراط” و”أرسطوطاليس” للفصد بكونه “يوازن” بين الأمزِجة الأربعة بالجسم في حال السقم – الدم والبلغم والعصارة الصفراء والعصارة السوداء – علمًا بأن مبدأ الأمزجة أو الـ(Humours) كان إلى القرن الخامس عشر من مسلمات العلم الطبي الغربي!
اُستخدم الفصد في طب العديد من الحضارات عبر التاريخ: في الصين والهند والسكان الأصليين في أمريكا الشمالية وشعب المايا في أمريكا الجنوبية؛ جميعهم كانوا يستخدمون الفصد أو أشكالًا منها للاستطباب.
يُنظر للفصد أنه “ينقي” الجسم من المرض؛ مثله كمثل القيء أو التجويع كأساليب متبعة عند المرض قديمًا، وكان يُقام على أيدي الكهنة أو العطارين و الممارسين الوارثين لطريقته، إلا أنه وفي مطلع القرن التاسع عشر ومع التقدم النسبي في العلوم الطبية أصبح الفصد يعرف بمضاره أكثر من منافعه؛ لما قد يُصاحبه من التهابات وأمراض وعدوى.
بالرغم من ذلك، أشارت بعض الدراسات الحديثة إلى أن الفصد قد يكون ذا منفعة؛ حيث إن الدم المسال يُقلل نسبة الحديد في الدم مما يتسبب في حرمان البكتيريا والأجسام المعدية الأخرى من إمكانية التكاثر في الأنسجة الحية؛ فيؤدي ذلك إلى دعم عملية مكافحة الأمراض. إلا أن الطب الحديث بكل تأكيد من حيث المبدأ والتطبيق يغني بشكل كبير عن مثل هذه الممارسات ذات الضرر الأكبر من النفع.