الأوهام ليست مشكلة تطرأ أحيانًا لبعض الأفراد بل هي حضورٌ دائم في أعماق الكل. إنها ملازمةٌ لكل إنسان، لذلك فإن الفيلسوف الفرنسي “برجسون يرى” أن أبرز خصائص الإنسان أنه كائن متوهم، وبأن قدراته الحقيقية لا تبرز إلا في التعامل مع شيء مادي؛ لذلك يُعَرِّف الإنسان بأنه كائن صانع كما يعرفه بأنه كائن متوهم.
لذلك كان سقراط يواجه محاوريه بتساؤلات مثيرة من أجل أن يكتشفوا أوهامهم.
وجاء “فرانسيس بيكون” ونبه إلى ما سماه أصنام العقل؛ فعقول الأفراد غارقة في الأوهام دون أن يدركوا.
وجاء “ديكارت” فنبه إلى ضرورة مساءلة الذهن دومًا عن محتواه، ودعاه إلى أن يعمل دومًا على التحرر من الأوهام.
وجاء “ديفيد هيوم” فنبه إلى هشاشة معارف الإنسان فما يعتبره الفرد حقائق ليست سوى تداعيات وعادات ذهنية.
وصُدم كانط بفلسفة هيوم؛ فأيقظته من سباته ودفعته إلى إنجاز مشروعه الفكري الضخم الذي كان أهمه كتابه (نقد العقل المحض)؛ حيث أكد أن معارف الإنسان تتوقف عند الظواهر لكنه لا يعرف الشيء في ذاته.
وجاء “هوسرل” فاقترح تقنيات لقيادة الوعي من أجل تقليل احتمالات الوهم؛ فالوعي يجب أن يتقدم للمعرفة في خطوات محسوبة من أجل التحقق واستبعاد الأوهام ذات الحضور الدائم.
أما “وليم جيمس” فرأى أن التحقق مرهون بالفاعلية العملية فهي المعيار الواضح.
ثم جاء “كارل بوبر” فأكد أنه حتى النظريات الناتجة عن البحث والاستقصاء لا تعني التحقق المطلق، وإنما تظل أداة صالحة للعمل ما دامت صامدة أمام النقد والدحض والتفنيد.
0