المقالات

الهجرة قديمًا إلى (مكة) و(المدينة)!!

تُشكل الهجرة ظاهرةً بشريةً دائمة في حياة الشعوب والأمم، وتختلف دوافعها العامة باختلاف المكان، والزمان الذي تحدث فيه؛ ومن أشهر هذه الهجرات، هجرة المسلمين قديمًا من (اليمن) وبلاد (الشام) و(مصر) و(المغرب) إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، تحقيقًا لهدف الانقطاع للعبادة، وطلب العلم، وبركة الجوار.

وحين اشتد الكرب في بلاد (الهند) و(الأفغان) وبلاد (جاوا) وما وراء النهر، وشمال ووسط إفريقيا، اشتد تدفق هذه الجاليات باتجاه مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفضَّل الكثيرون منهم الاستقرار بجوار بيت الله الحرام ومسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

أقدم الجاليات هجرةً إلى مكة المكرمة، هي الجالية (الهندية)؛ وذلك للروابط الدينية والاقتصادية والتجارية بين منطقة الحجاز وشبه القارة الهندية في تلك الفترة، وكان لبعضهم بيوت تجارية بجدة وبمكة، وكانوا متخصصين في تجارة البهارات والأقمشة التي كانت تجلب من بلاد الهند.

في كتابه “تاريخ مكة”، عدَّد الأستاذ أحمد السباعي شيخ المؤرخين السعوديين أسماء كثير من تلك العائلات التي تعود أصولها إلى القارة الهندية.
والمصريون، بحكم طبيعتهم وشدة التصاقهم بأرضهم وحضارتهم، كانت هجرتهم إلى مكة قديمًا مقارنةً بغيرهم من الجاليات الإسلامية قليلة، ولم تخلُ مكة أيضًا من المهاجرين من أهل (المغرب) العربي، غير أن الكثير منهم كما ذكره المؤرخون كانت هجرتهم إلى المدينة المنورة.

ومن الجاليات التي تركزت في مكة المكرمة، بعض من قبائل “الهوسا” و”الفلاتة” و”البرنو” وغيرهم من أهالي أفريقيا الوسطى والغربية والشرقية، وجميعهم في عُرف المكيين “تكارنة”.

ومن الجاليات التي دمجتهم مكة في سكانها وذويها بحكم الإقامة الطويلة، الجاليات المهاجرة من “إندونيسيا” وماليزيا” و”سيام”، والمكيون يطلقون عليهم جميعًا كلمة “جاوا” لتقاربهم في الشكل والبنية، وذكر المؤرخون أن تدفقهم حديثًا بالنسبة لغيرهم من المهاجرين، ولم يبدأ قبل العشرينيات أو الثلاثينيات من القرن الميلادي الماضي.

اتَّخذ هؤلاء من مكة مناطق خاصة بهم، سُميت بأسماء تلك الجاليات أو تلك العائلات، ففي مكة مثلًا؛ نجد من آثار ذلك جبل “هندي”، وحارة وجبل السليمانية (الأفغان)، وحارة (الجزائر)، وآثار من حبل (الترك)، وزقاق (البخارية) وشعبة (المغاربة) وخريق (البنقالة).

وأصبحت بعض حارات مكة في فترات متأخرة خاصة ببعض الأجناس، وتشتهر بسكانها من المهاجرين؛ فهناك حارة يستوطنها بعض من (الجاويين)، وثانية أهل (البنغال)، و(الهند)، و(السند)، وثالثة لأهالي غرب إفريقيا، ورابعة يسكنها أهل (بخارى)، وأهل (الشام)، و(اليمن)، و(حضرموت)، وأخرى يوجد بها (الأتراك)، ومن يسكنها من (الجزائر).

إن هذه الهجرات – التي ارتبطت قديمًا بمواسم الحج – ساهمت في تعدد ثقافة المدينتين المقدستين، وجعلتها متعددة الجنسيات والألسن والمذاهب، ومع هذا توحَّدت اللغة والهوية والممارسات الثقافية.. بل وحتى الملامح وهيئة اللباس، ولقد شَرُفَ الكثير من أبناء تلك الجاليات الكريمة بشرف الانتماء، وحمل هوية هذه البلاد المباركة، المملكة العربية السعودية، وبات لهم الدور الريادي والثقافي والحضاري والاقتصادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى