المقالات

موتى مع وقف التنفيذ

يقول الأمريكي الأول كما يسمونه: “معظم الناس يموتون عند الخامسة والعشرين ويدفنون عند الخامسة والسبعين”

ربما أراد بنجامين أن يناقش حياة الغالبية بأسلوبه، ويشيع الجدل حول تصوّر بات جزء من هذا التكوين العام، ويستقيم بأحرفه الجامحة ليصل العقل وما حوى، والقلب وما وعى بحجم الدمار الذي حصل في هذا العالم، وكمية الخراب التي حصلت بموت الغالبية، وفوات الأمر من صاحب الأمر.

أموات غير أحياء أو أموات في ميدان يعج بالأموات وسط مجموعة كبيرة من الجماهير الأموات، وكأن العالم يجتمع امام مسرح مليء بالموتى.

يعطينا هذا حق تحديد المصير، والخيار كذلك تجاه ما ننتظره بما لا يتعارض مع القدر وينافي القضاء، إلا أنه يمكن الوصول الى قناعة تخبر بأننا نملك تاريخ الموت ولا نملك تاريخ الدفن.

تاريخ الدفن هو موتك الحقيقي بمعناه المجرد البسيط المعلوم، وهذا ليس موضوع نقاش على أية حال، وقد نستجمع أنفسنا بين كاتب وقاري لنقف على تاريخ الوفاة الذي حدد مسبقاً، وضرب موعده قبل أن تحل ساعته، ويحين أجله.

هل يمكن أن نصنع ذلك حقاً؟

بل هل يمكن ألا نصنع ذلك؟

لأن الكثير قد صنع، ووفق الواقع ووفق ما قيل سلفاً بأن الأغلب على هذا، وإن كان جلياً في جيل وخفياً في جيل آخر، وعلى أفضل حالات التفاؤل سنقول البعض، ونخفي كلمة الغالب حفاظاً على خيلاء البياض.

تتجسد تلك الصورة في محيطك ومحيطي من خلال الأعمار التي لا تشي بحقيقتها، ولا تخبر عن واقعها بمعية أرواح متعددة من حولنا، فهنا شخص بلغ الثمانين يعيش واقعاً بنصفها، وفي الجهة الأخرى فتاة في الثلاثين تعيش حياة بضعفها ولا ننكر سلطة الظرف، ولكن للابتسامة معنى رغم الألم ولها كلمتها رغم صروف الوجع، وتستقيم حينها “عمر الرجل كما يشعر وعمر المرأة كما تبدو” ولا قيمة للأرقام.

من يدفن نفسه قبل وفاته هو على الحقيقة من استهل يومه بعبارة قاتلة في مساء الأمس، ومن صنع ذاكرته محطة لعبث الحمقى في ذلك الزمان البعيد، كما أنه هو نفسه الذي مكّن لصورة سوداء أن تشكل مستقبله ببعض ما حمله ماضيه.

وعلى النقيض فهناك من يدفن، ولكن لم يميت، بل يستطيل عمره بعد وفاته وتقوم ذكراه بعد أعوام من رحيله وكأنها ذات يوم الرحيل.

الحياة قد تنصف، والأخرون ينصفون، وذكرانا منصفة كذلك، ولكن ليس أبداً كمن ينصف نفسه ويقوم عليها.

ختاماً… إن عجزت ان تؤخر تاريخ وفاتك بما تستطيع من أثر، فلا تقدمه كثيراً عن تاريخ الدفن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى