المقالات

شكرًا سمو وزير الخارجية: يعطيك العافية

لا بد للمُتتبع لوزراء خارجية المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك فيصل – يرحمه الله- حتى الآن، لا بد وأن يُلاحظ أن كل من شغل هذا المنصب كان يتمتع بدرجة عالية ومتميزة من العبقرية السياسية والمهنية العالية.
فقد سجلت الدبلوماسية السعودية خلال ما يُقرب من قرن سجلًا حافلًا بالحكمة والنزاهة والعقلانية في جميع اتصالاتها بدول العالم، وفي كل علاقاتها الخارجية، وروابطها مع العالم شرقًا وغربًا، وظلت تلك السياسة التي وضع أسسها جلالة الفيصل – يرحمه الله – على الاحترام المتبادل مع الدول، وعدم التدخل في شؤون الغير، وعدم السماح لأحد في التدخل في شؤون المملكة، واحترام القرارات والمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، وتقديم الدعم والمساندة لقضايا أمتها العربية والإسلامية، وعلى الأخص القضية الفلسطينية، وتقديم الدعم المادي للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية، وتوخي سياسة خارجية تقوم على أساس الوسطية والتسامح والاعتدال، وظلت المملكة خلال تلك الفترة الطويلة هي السبَّاقة إلى المبادرة في الخير والعطاء.

وقد اتضحت معالم السياسة الخارجية السعودية منذ إنشاء وزارة الخارجية في السادس والعشرين من شهر رجب 1349هـ الموافق السابع عشر من ديسمبر 1930م وتسلم جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز منصب وزير الخارجية علاوة على النيابة العامة، ثم تولى المنصب بعد ذلك الأستاذ إبراهيم السويل، والسيد عمر السقاف، ثم سمو الأمير سعود الفيصل، فعادل الجبير، وأخيرًا سمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وكم كانت المملكة محظوظة بوزراء خارجيتها، أولئك الفرسان الذين ساهموا بقدر كبير في ارتقاء المملكة إلى هذا المستوى المتميز من الاحترام والتقدير والمكانة المرموقة التي تتمتع بها الآن في مجتمعها الدولي، بيد أنه لا بد من الإشارة هنا بشكل خاص إلى الجهود الجبارة التي قام بها سمو الأمير سعود الفيصل لإيصال المملكة إلى هذا المستوى المتميز كدولة يُنظر إليها العالم – شرقه وغربه- بكل التقدير والاحترام، كما لا يمكن التقليل من الدور الذي لعبه “الجبير” في المساهمة في هذا المضمار. وعندما تسلم سمو الأمير فيصل بن فرحان المنصب، لم يكن الكثيرون يتوقعون أن يكون بمقدوره أن يسد الفراغ الذي تركه أولئك العظماء الذين سبقوه، لكن التجربة أثبتت أنه جاء محققًا ومستحقًا لثقة أولى الأمر، عندما استطاع أن يمضي بسياسة المملكة الخارجية إلى آفاق جديدة من النجاح في كافة القضايا التي واجهتها المملكة، عندما أثبت بحنكته السياسية على قدرته الفائقة على التعبير عن سياسة بلاده إزاء كافة القضايا الإقليمية والدولية، وعلى الأخص القضية الفلسطينية، وهو ما تُمثل بشكل خاص في الحرب العدوانية الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، وما زالت مستمرة حتى الآن، وهي تلك الحرب التي قتل فيها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى حوالى 40% منهم من الأطفال، ودمرت فيها 60% من مباني غزة بما في ذلك المدارس والمستشفيات ودور العبادة، فيما منعت إسرائيل عن القطاع الماء والغذاء والوقود والأدوية، وعملت على تهجير أكثر من مليون ونصف شخص من شمال القطاع إلى جنوبه، واستهدفت سيارات الإسعاف والصحفيين والطواقم الطبية، وبما اعتبره العديد من المراقبين بأنه حرب إبادة جماعية وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

لقد أكَّد سمو الأمير فيصل بن فرحان من خلال تصريحاته المختلفة ولقاءاته مع المسؤولين الدوليين على ضرورة الوقف الفوري للنار، وضرورة إطلاق عملية سلام جادة، وحماية المدنيين في قطاع غزة، والرفض القاطع لتهجير سكان القطاع، وأنه لا يمكن تبرير ما يحدث في غزة بالدفاع عن النفس، وأن إسرائيل تواصل انتهاك القانون الدولي، وأنه يجب رفع الحصار عن غزة وحماية المدنيين، وقد أكد سموه هذا الموقف في الكثير من اجتماعاته ومؤتمراته الصحفية، ولقاءاته بالمسؤولين العرب والدوليين، وتُمثل ذلك بشكل خاص في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بوزراء خارجية مصر والأردن وفلسطين.

وفي ترأسه لأعمال اجتماع ووزراء الخارجية العرب التحضيري للدورة غير العادية للقمة العربية الإسلامية، جدد سموه دعوته للوقف الفوري للعمليات العسكرية في غزة.

ولا بد من الإشارة هنا إلى ما تداولته منصات التواصل الاجتماعي، حول مقطع فيديو لوزير الخارجية، صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وقد بدا عليه الإرهاق خلال الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الإسلامية الطارئة التي أقيمت بالرياض، لبحث وقف الحرب في غزة.

وقد أظهر مقطع الفيديو وزير الخارجية، وهو يأخذ نفسًا عميقًا، فيما يبدو على وجهه الإرهاق، وليس ذلك من الأمور المستغربة، فسموه كان الساعد الأيمن لصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في الإعداد الجيد للقمة وتوفير عوامل نجاحها. كما أنه من الطبيعي أن يبدو سموه منهكًا بعد عشرات الزيارات واستقبال أكثر من وفود ثمانين دولة، ومفاوضات واجتماعات مع مسؤولي دول العالم، وطيران متواصل لعدد من الدول في أقل من 14 يومًا.

وإنفاذًا لقرار التكليف الصادر عن القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية بالرياض بتاريخ (11 نوفمبر 2023م)، ترأس سمو الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية بالمملكة، بصفتها ترأس القمة العربية (32) والإسلامية، جولة زيارات رسمية تشمل عددًا من الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بدءًا من الصين؛ وذلك بهدف الوقف الفوري لإطلاق النار على قطاع غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق سلامٍ دائم وشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة، واتخاذ الإجراءات الرادعة لوقف جرائم سلطات الاحتلال الاستعمارية ضد الإنسانية، مع تأمين ممرات إغاثية عاجلة لتجنب وقوع كارثة إنسانية في قطاع غزة المحاصر؛ بالإضافة إلى اتخاذ كافة الإجراءات وفقًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على ما يقوم به من انتهاكات سافرة وجرائم في قطاع غزة، والضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وضد المقدسات الإسلامية والمسيحية وفي مقدمتها ما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك.

هذه الجهود الكبيرة من قبل سموه، وتلك الجولات المكوكية التي لا تتوقف لأكبر شهادة على الدور الكبير المميز الذي يضطلع به سموه في إظهار الموقف السعودي الداعم للقضية الفلسطينية في أبهى صوره، وإبراز دور الدبلوماسية السعودية في احتضانها لتلك القضية المحورية التي تعتبرها قضية العرب المركزية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى