المقالات

رحلة حج “البتنوني”!!

في كتابه بعنوان “الرحلة الحجازية”، دوَّن الرحالة والمؤرخ المصري في عهد الخديوي عباس حلمي “محمد لبيب البتنوني”، بعض مشاهداته عن عادات وتقاليد سكان مكة أثناء رحلته لأداء فريضة الحج في بداية القرن الثالث عشر الهجري:
قال المؤلف: إن من عادة أهل مكة التألق في المأكل والمشرب واللباس، وذكر أن لباسهم تكثر فيه الألوان الزاهية الباهية، وأن في مساكنهم كثيرًا من أدوات الزخرف والرياش الثمينة، والبسط العجمية النادرة.
ومن عاداتهم تقديم الشاي في أي وقت تحية للقادم عليهم، وإقامة المآدب في حفلة يسمونها (قَيلَة)، ومما شاهده أنه ليس لأطعمتهم نظام أو نوع مخصوص؛ فمنها (الهندي) و(الجاوي) و(الشامي)، و(المصري) و(التركي) و(المغربي).
أثناء تناول الطعام يجلس المدعون في هذه الولائم على سماط على الأرض، وبعد فراغهم من الطعام يجلسون للسمر وسماع بعض الأغاني والموسيقى، وتكون هذه الحفلات في ضواحي مكة المكرمة مثل: (الزاهر) و(الشهداء)، وهنالك يقضون يومهم في سرور وألعاب رياضية مثل: (الجري) أو (لعب الكرة) أو (النرد) أو (الشطرنج).

ومن عوائدهم الغذائية: يأكلون مرتين في اليوم؛ الأولى: في نحو الساعة التاسعة صباحًا، والثانية: بعد صلاة العصر، ولاحظ أنهم يميلون إلى الأبهة خصوصًا في شهر رمضان المبارك. كانوا يفطرون يوميًا في الحرم، فيمدون فيه الموائد.
وذكر المؤلف: إن بعض نسائهم كن يدخن (النرجيلة)، و(الزار) يفشو فيهن، وبعضهن يخرجن إلى الأسواق بملاءة سوداء، وبرقع فيه ثقبان صغيران فيما يقابل العينين، وفي أرجلهن أخفاف ضخمة لونها أصفر.
أما أفراحهم ومآتمهم فإنها غاية في البساطة: ومن عوائدهم في زواجهم أنهم يدعون الأهل والمحبين نساء ورجالاً، فيأتي الرجال ويجلسون في الأماكن المعدة لهم خارج البيت، ووقت العشاء يمد لهم سماط مستطيل يجلسون عليه جميعًا مرة واحدة؛ فيأكلون ثم ينصرفون. أما النساء فيدخلن البيت فيجدن على باب قاعة الجلوس قصعة كبيرة مملوءة بمعجون (الحناء)، فتحني المرأة، ثم تدخل إلى المكان وتجلس مع باقي النسوة، ولا يزلن يتجاذبن أطراف الحديث إلى منتصف الليل، وهناك يزففن العروس إلى بعلها، ثم يعدن إلى بيوتهن بعد أن يضعن في عنقها عقودًا كثيرة من (زهر الفل) أو (ثمر التفاح)، وهو في قدر البندق.
ومن عوائدهم أيضًا: أنهم يحتفلون بختم أولادهم للقرآن الكريم، ويسيرون بهم بموكب عظيم في طرقات مكة، ومن عاداتهم الاصطياف في مدينة (الطائف)، وفي منطقة (الهدي) فوق جبال (كرا) ، فيه جنات كثيرة تجري من تحتها الأنهار فيها ما يشتهون من أثمار وأزهار. وذكر أن أشهر مصيف في الطائف يُسمى (شبرا) ثم حدائق (المثناه) وهي مشهورة بخوخها وعنبها، ومارها يعتبر من أعذب مياه تلك الجهة.
وأخيرًا.. ذكر المؤلف: إن بعض من سكان مكة يتخلفون عن فريضة الحج، ويقيمون فيها للمحافظة على دُورَهُم من اللصوص الذين يكثرون في هذه الآونة، فيقطعون ليلهم سهرًا بين إطلاق بنادقهم من كل الجهات، إعلانًا بأنهم يقظون لكل من قصدهم بسوءٍ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى