تُعتبر هذه الرواية – كما في العنوان- قصة حب مثلها مثل مجموعة من قصص الحب التي جاءت على نفس النسق، كعنترة وعبلة، وجميل بثينة، وقيس وليلة، وروميو وجوليت…إلخ. والحب الذي جمع بين مسفر وسارة هو ذلك الحب الأكثر شيوعًا بين المحبين في كل العصور هو الحب من أول نظرة: سارة الفتاة الجميلة المرحة الرومانسية بعفويتها وصراحتها وشخصيتها القوية، والتي تنتمي لأب سعودي وأم أمريكية، وتدرس البكالوريوس قسم العلوم السياسية، ومسفر الشاب السعودي المثقف الوسيم الذي وقع في حب سارة من أول نظرة، والذي يحضر للدكتوراة في الأدب الإنجليزي مبتعثًا من حكومته في نفس الجامعة.
“أمي أمريكية الأصل، اسمها جاين، أحبها والدي وأحبته منذ الصغر، هي ابنة أحد موظفي أرامكو، فيما كان والدي عبد الله يساعد جدي في كافتيريا أرامكو، تزوجا. حصل والدي على منحة لدراسة اللغة في أمريكا… هكذا سافرا معًا، أكمل والدي دراسته بعد ذلك حتى الدكتوراة، ثم توظف في مكتب أرامكو في هيوستون بولاية تكساس، وأنا ابنتهما الوحيدة”.
هكذا قدمت سارة (بطلة الرواية) نفسها لحماتها (فاطمة أم زوجها مسفر) عند وصولهما إلى قريتهم (الفرشة) في بلجرشي، عندما طلبت منها أم مسفر أن تحكي لها عن نفسها.
إلى جانب سارة وأمها جاين ووالدها عبد الله، ومسفر وأمه فاطمة، تضم الرواية شخصيات أخرى: تشارلز بيكر جد سارة لأمها، وسفر (الأخ الأكبر) ومسعد وسعد وسعيد (إخوة مسفر)، ومسعدة ابنة خالة مسفر التي تربت في منزلهم منذ الصغر بعد وفاة والديها في حادث سيارة والتي كان من المفترض أن تكون زوجة لمسفر، الشيخ مصبح جد مسفر لأمه والذي تولى تربية أحفاده بعد وفاة زوج ابنته فاطمة، د. سعيد صديق مسفر، نجود وهدى ومريم: صديقات سارة، صالح العسيري وصلاح الأسواني و(مستر) محمود: أصدقاء عبد الله والد سارة، رجل الأعمال الأمريكي جيمس براون (والد بيتر/ محمد الزوج الثاني لسارة)، هيلاري: حماة سارة الثانية، الطفلة فاطمة: ابنة سارة وبيتر/ محمد.
تبدأ الرواية بقصة الحب الجميلة التي جمعت بين مسفر وسارة في أروقة جامعة كاليفورنيا، وانتهت بزواج سريع – كانت من أهم شروطه أن تسكن سارة مع زوجها مسفر عند عودتهما إلى بلجرشي في منزل مستقل- لم تحظَ في بداية الأمر بموافقة د. عبد الله والد سارة الذي كان يرى في عبد الله أنه ذو شخصية ضعيفة ولا يتمتع بقدر كاف من الثقة بالنفس، إلى جانب اختلاف البيئة التي نشأت فيها ابنته سارة عن بيئة مسفر في قريته – لكنه أبدى موافقته في نهاية الأمر تحت إلحاح زوجته وابنته. وسرعان ما انهارت العلاقة الزوجية بين مسفر وسارة بعد أن غادرا الولايات المتحدة إلى قرية (الفرشة) بعد قضاء بضعة أشهر هانئة عاشا خلالها أجمل فترات حياتهما، حيث ابنة خالته مسعدة التي كان من المفترض أن يقترن بها مسفر، عندما فوجئت بزواجه من فتاة أخرى فتحولت إلى عدو شرس لسارة، كما أن مسفر الذي اكتشفت سارة ضعف شخصيته بمجرد وصولهما إلى القرية، من خلال ما لاحظته من انقياده لأخيه الأكبر، وعدم صموده أمام تحريض إخوته له – باستثناء أخيه الأصغر سعيد- على زوجته بسبب سلوكياتها المتحررة في وسط منغلق على ذاته.
وتسرد الروائية د. سونيا مالكي مظاهر الخلاف بين سارة ومسعدة وإخوة مسفر الثلاثة، والتي اكتفى مسفر إزائها بأن يتخذ موقف المتفرج، في الوقت الذي كانت سارة تتوقع أن يقف مسفر بجانبها مدافعًا عنها، وأن ينفذ وعده لها بالعيش في منزل منفصل عن منزل العائلة.
انتهت العلاقة بين مسفر وسارة بعد تدهور العلاقة بينهما، وبعد إصابتها بانهيار عصبي، وعادت سارة إلى أهلها في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعرفت إلى مهندس شاب مهذب وخلوق ابن رجل أعمال أمريكي أحبته وأحبها وقررا الزواج بعد أن أعلن إسلامه، وأنجبت منه ابنة جميلة أسمياها فاطمة (على اسم والدته)، وفي الجزء الأخير من الرواية نرى سارة وقد عادت إلى طبيعتها وأصبحت أكثر سعادة من أي وقت مضى، حيث عوضها زوجها الثاني (محمد) عن فترة الشقاء التي عاشتها مع مسفر في قرية الفرشة على مدى ثمانية أشهر لم يفِ خلالها بوعده يأن يهيئ لها سكنًا مستقلاً وتركها تعاني من موجة قاسية من الكراهية والاستهداف من قبل مسعدة وأخوة مسفر الثلاثة، فيما أصبح مسفر الذي التقته مصادفة في معرض الرياض الدولي للكتاب خلال زيارتها وزوجها وابنتهما فاطمة إلى المملكة في مهمة عمل لزوجها في السعودية، فلم تكترث كثيرًا به واعتبرته من ذكريات ماض تمنت أن يحذف من حياتها.
تفاجئنا د. سونيا مرة أخرى برواية طرزتها بخيوط إبداعية لافتة، من خلال لغة سلسة، وأفكار مضيئة، وقدرة كبيرة على تطوير لغتها السردية في فضاء من البساطة المتناهية، تمامًا مثلما فاجأتنا بهذا الفيض الوافر من الثقافة الشاملة تاريخًا وسياسة وجغرافيا وتراثًا وفولكلورًا، فجاءت تلك الرواية متكاملة ومتناغمة تزدان ببعض العبارات ذات الوقع الجميل كعبارة “السياسة والأدب متلازمان”، وعبارة “لا سياسة بلا تاريخ، ولا تاريخ بلا سياسة”.
وفي الحقيقة عكست الرواية ما تتمتع به د. مالكي من معرفة دقيقة بجغرافيا الأماكن والمواقع التي جرت فيها أحداث الرواية، سواءً في الولايات المتحدة الأمريكية أم في السعودية، وبالأخص الأماكن السياحية والآثار في المملكة العربية السعودية. كما تطرقت إلى تحليل لبعض الكتب السياسية والتاريخية والأدبية ككتاب لورانس (أعمدة الحكمة السبعة)، ومسرحية شيكسبير (تاجر البندقية)، ورواية همنجواي (لمن يقرع الجرس).
ولم تخلُ الرواية من البُعد النفسي، بحيث نستطيع القول: إن السلوك العدائي لمسعدة ولإخوة مسفر الثلاثة إزاء سارة ليس بسبب سلوك سارة المتحرر، وليس فقط لأن مسفر لم يفِ بوعده للزواج من مسعدة، وإنما لأن سارة أجمل من مسعدة وأكثر جاذبية، ما حرك في أعماق مسعدة مشاعر الغيرة، وليس لسلوك سارة (المتحرر)، وانتقاد إخوة مسفر الحاد لهذا السلوك، وتحريض مسفر على زوجته لهذا السبب، وإنما لأن مسفر تلقى تعليمًا راقيًا في الخارج وأصبح أكثر منهم رقيًا وتحضرًا مما سبب لهم مشاعر هي خليط من الغيرة والحسد والإحباط، لا سيما وأنهم – باستثناء الأخ الأصغر سعيد – لم يتلقوا إلا قدرًا ضئيلًا من التعليم.
رواية مسفر وسارة -استنادًا إلى ما سبق- تنتمي إلى المدرسة الواقعية، سواء من حيث الغوص في البيئة المحلية، أو من حيث البُعد عن الخيال، وهي تقدم نماذج لشخصيات من واقع المجتمع بكل ما تحمله من تناقضات ومفارقات وسلوكيات واتجاهات.
الجدير بالذكر أنها صدرت هذا العام 2023م/ 1445هـ من دار تكوين للنشر والطباعة.