قال تعالي في سورة إبراهيم الآية (37): (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ). هذا ما قاله سيدنا إبراهيم -عليه السلام- عندما أنزل زوجته وابنه بالوادي (مكة) بيت الله الحرام، الذي لا ماء فيه ولا حياة، حتى انتهى بها الله جل جلاله إلى معجزة قصة بئر (زمزم)، استجابة لدعاء سيدنا إبراهيم -عليه السلام-.
إن من أكثر الأمثال العربية تداولًا، المثل القائل: “أهل مكة أدرى بشعابها”، يدل المثل على أن (مكة)، تشتهر بكثرة الجبال، والشعاب، والأودية، التي تجري فيها السيول عند هطول الأمطار، أدى ذلك إلى وجود بعض البساتين والحدائق في المدينة وخارجها، والتي كان بعضها يُمثل أحد مصادر الدخل لبعض الأسر المكية القديمة. فالكثير من العوائل المكية كانت تقوم بشراء ما تحتاجه من الخضراوات وبعض الفواكه من تلك البساتين، والتي من أشهرها:
بستان (الشريف) في منطقة جرول، والذي يقع في موقع حلقة الخضار سابقًا، وبساتين (الزاهر) وبستان (بن سليمان) في التيسير، وغيرها من البساتين داخل المدينة.
أما البساتين التي تقع خارج المدينة المقدسة، منها بساتين (الحسينية)، و(العابدية)، و(الجموم) في الطريق المؤدي إلى المدينة المنورة، وبساتين (السيل الصغير) و(الكبير) و(الزيمة)، والتي تقع في الطريق القديم المؤدي إلى مدينة الطائف، وكانت تشتهر بإنتاج الموز بحجمه الصغير.
في شارع إبراهيم الخليل في المسفلة، كان يوجد الكثير من الأماكن التي كانت تعرف بكثرة بساتينها لوقوعها على مجري الوادي قبل اتساع رقعة النطاق العمراني للمدينة المقدسة، وكانت هذه البساتين؛ إضافة الي كونها تُمثل مصدر دخل لبعض العوائل من بيع المنتجات الزراعية وأعلاف الماشية، فإنها تُمثل مكانًا لسكان الحي لقضاء بعض الوقت يستظلون بفيئها، وكانوا يختلفون إليها صيفًا هربًا من قسوة المناخ.
من تلك البساتين؛ بستان (البخارية) في بداية شارع إبراهيم الخليل، وكان متنزهًا للعوائل وتُقام فيه المناسبات، ومنهم بستان العم (علي أبو طربوش) وبه حوض كبير للسباحة بمقابل مادي بسيط، وكذلك بستان العم (منصور الشنب)، وبه حوض السباحة الذي كنا نرتاده ونحن صغار بمبلغ لا يتجاوز الخمسة قروش، وبستان العم (مصطفي الهيطيلي)، وبستان (البوقري)، وكلها تقع في مكان حديقة المسفلة حاليًا، وبستان العم (بكر شرف) في الناحية المواجهة.
وبالنزول جنوبًا، هناك بستان (باخطمة)، وبستان (الكعكي) والذي كان يُعرف سابقًا ببستان (الكديوي)، ويقع بعد المنطقة المعروفة بـ(النكاسة)، ثم بستان (سليمان خياط)، وبستان (السلولي)، وبستان (فهد أبو حميدي)، وجميعها كانت تقع فيما يُسمى بالشوقية جنوب حي المسفلة حاليًا.
ولاتساع النطاق العمراني للمدينة المقدسة (مكة)، بسبب تزايد أعداد السكان؛ إضافةً للمشاريع الكبرى التي قامت بها الدولة -أيدها الله-، لتوسعة الحرم المكي الشريف، أدى ذلك إلى انحسار الكثير من المساحات الخضراء خاصة داخل المدينة المقدسة.
0