لا زالت حرب الإبادة والتهجير التي يُمارسها الكيان الصهيوني بكل جبروت على الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة، والمداهمات والاعتقالات والاغتيالات في الضفة الغربية مستمرة بلا رحمة؛ بهدف تفريغ فلسطين من شعبها المغلوب على أمره، متجاهلة بذلك كل قرارات الشرعية الدولية التي تقرّ بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل.
كما أن التدخلات التي تشهدها هذه القضية العادلة من قبل الدول الغربية بدعمها المباشر لإسرائيل، وكذلك غير المباشر من قِبَل دول غير منضبطة في المنطقة وأذرعها الإرهابية هدفها السيطرة على المنطقة من خلال زيادة الاحتقان فيها، وجرها إلى أتون حرب لا طائل منها سوى تفريق الأمة وإضعافها، والدفع بها إلى الجحيم لتحقيق مكاسب على حساب هذه القضية.
كل ما تقدم هو محل استغراب واستنكار من أهل الضمائر الحية وللأسف أنهم الأقلية في العالم، ولكن الأمر الغريب والمستهجن حقّا تمثل في النفاق العالمي الذي ظهر جليًا من أهل الضمائر الميتة تجاه هذه القضية، وتباين المواقف بين الوضع الراهن في فلسطين وفي أوكرانيا، فمعظم دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تقف إلى جانب أوكرانيا المعتدى عليها ضد روسيا المعتدية، تقف مع إسرائيل التي تحتل فلسطين منذ أكثر من سبعين عامًا، ضد الشعب الفلسطيني المعتدى عليه.
وكذلك الحال بالنسبة لموقف بريطانيا صاحبة وعد بلفور المشؤوم، ومعها غالبية دول أوروبا واليابان، وبدون أن يرف لهذه الدول جفن وبعيدًا عن مواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، رحبت باستمرار العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة من خلال هذه العملية العسكرية القذرة التي تقوم بها إسرائيل ولم تسلم من شرارتها الضفة الغربية، وراح ضحيتها ما يزيد عن خمسة عشر ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا زالت هذه الحرب الشعواء القذرة مستمرة في قطف أرواح الأبرياء بلا وازع من ضمير .
وعندما استعرت نار الحرب على الشعب الفلسطيني تسابق المتخادمون مع أمريكا وإسرائيل الذين كانوا ينادون بشعار “الموت لأمريكا والموت لإسرائيل” بالقفز من السفينة لانتظار ما تسفر عنه هذه الحرب من مكاسب لهم ثمنًا لخيانتهم للأمة وتفريقهم لشملها تمهيدًا لزيادة حصتهم في رقعة المنطقة.
ولأن المملكة العربية السعودية تؤمن بالتوجيه القرآني (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ)(فاطر: 18) فإنها تناست وقوف حماس والمنظمات الإرهابية إلى جانب الحوثي في عدوانه على المملكة، واهتمت فقط بالشعب الفلسطيني المكلوم الذي لم تتخلَّ عنه يومًا، وبقي ظاهرًا للعيان الدور الكبير الذي قامت ولا زالت تقوم به لقيادة الأمتين العربية والإسلامية في مواجهة التغول الإسرائيلي المدعوم من قبل الغرب، واستطاعت أن تجمع في الرياض ٥٧ دولة عربية وإسلامية في قمة طارئة لتوحيد الصف تجاه هذا العدوان الغاشم، وصدر عنها بيان يشدد على ضرورة إيقاف العدوان الصهيوني المقيت، وأوصت بتشكيل فريق عمل وزاري يُمثل وزراء خارجية دول المجموعة برئاسة وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان تنقل بين عواصم القرار في العالم؛ لنقل وجهة النظر العربية الإسلامية الموحدة، وتأكيد حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية.
كما قدمت المملكة ولا زالت تقدم للشعب الفلسطيني جوًّا وبحرًا من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة آلاف الأطنان من المساعدات العينية الدوائية والغذائية والخيم والمفارش وسيارات الإسعاف، وتسابق شعب المملكة وفي طليعتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان –حفظهما الله- في تقديم الدعم المادي من خلال الحملة الشعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتي لازالت تتلقى حتى اليوم تبرعات الشعب السعودي لأشقائهم في غزة، وقد وصل مجموع التبرعات التي جمعتها الحملة حتى اليوم إلى 546,487,084 ريالًا.
وبلغ إجمالي عدد المتبرعين المشاركين في الحملة حتى الآن 1,065,561 متبرعًا..
وكانت إحصائية سابقة ذكرت أن المساعدات المُقدمة من المملكة لفلسطين بلغت خلال الفترة من 2000م -2019م سبعة مليارات دولار.
هذا هو موقف مملكة الإنسانية من كل القضايا الإسلامية طوال تاريخها لا يتغيَّر مع تغير الظروف.
نسأل الله أن يحقن دماء أشقائنا الفلسطينيين، وأن يرد كيد الصهاينة ومن يتخادم معهم إلى نحورهم، وأن يحمي بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل فتنة وشر.