المقالات

الابتعاث بمعناه الحديث في المملكة!!

الرحلة في طلب العلم أمرها قديم، فقد كان طلبة العلم ينتقلون بين البلدان لطلب العلم عند الأئمة والعلماء المشهورين، وذكر القرآن الكريم رحلة نبي الله موسى-عليه السلام- إلى الخضر ليتعلم منه علمًا، ولقي من جراء تلك الرحلة نصبًا وتعبًا وعنتًا، فبقت الرحلة سُنة نبوية وشعارًا لطلبة العلم إلى أن تقوم الساعة.
وقديمًا كان طلاب العلم في الجزيرة العربية وغيرها من البلاد يأتون لتلقي العلم على يد بعض من علماء مكة والمدينة، وكانت تلك الرحلات إما بدافع شخصي أو على بعض من المحسنين.
والابتعاث بمعناه الحديث لم يظهر في المملكة إلا بعد أن وحَّد الملك المؤسس عبد العزيز -رحمه الله- المملكة العربية السعودية في 17 جمادى الأولى عام 1351هـ، الموافق 23 من سبتمبر عام 1932م.
فتشير الروايات إلى أن بداية الابتعاث كان من خلال مقترح رفعه كلٌّ من السيد “عبد الوهاب آشي”، والشيخ “محمد سعيد العامودي”، والشيخ “محمد بياري” إلى الملك عبد العزيز مبينين فيه أهمية الابتعاث في طلب العلم؛ وبناء عليه أمر الملك عبد العزيز-رحمه الله- بتشكيل لجنة لدراسته مكونة من مستشاره الشيخ “حافظ وهبة”، والشيخ “صالح شطا”، والشيخ “صالح نصيف”، إضافة لمقدمي المقترح.
رفعت اللجنة تقريرها الذي باركه الملك عبد العزيز-رحمه الله- وأمر بإيفاد أول مجموعة من الطلاب السعوديين في عام 1346هـ إلى مصر في مرحلة الدبلوم والبكالوريوس في ذلك العام، كان مجموعها أربعة عشر طالبًا، وكانت التخصصات التي ابتعثوا لدراستها هي: التربية، والقضاء الشرعي، والتعليم الفني، والزراعة، والطب، والميكانيكيا.
وبعدها دفعة أخرى إلى بريطانيا تتكوَّن من ثلاثة موظفين في البريد للتدريب في شركة (ماركوني) على إنشاء شبكات الاتصال وإدارتها، وفي عام 1354هـ، أمر الملك عبد العزيز بإرسال عشرة طلاب لدراسة الطيران في بريطانيا، وبعدها بعام أي في 1355هـ، ذهبت دفعة رابعة لكلٍّ من سويسرا وتركيا لدراسة الحقوق، والعلوم السياسية، والهندسة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، وإنما أمر الملك عبد العزيز-رحمه الله- في العام 1355هـ بإنشاء مدرسة في مكة بمسمى “مدرسة تحضير البعثات” تحت إشراف إدارة المعارف العامة في تلك الفترة، وكانت مدة الدراسة فيها ثلاث سنوات، ثم ارتفعت لست سنوات بعد توسع القبول، ومهمتها تهيئة الدارسين للابتعاث، وكان لأعضاء تلك الطلائع من البعثات دور بارز في نهضة المملكة؛ حيث أسهموا في إدارة دفة البلاد في الكثير من المجالات، وتقلَّد عدد كبير منهم مناصب قيادية عُليا في الدولة.
وبعدها توالت البعثات سواء للبكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة إلى العديد من دول العالم شرقه وغربه، وتعددت جهات الابتعاث من الدوائر الحكومية والجامعات والشركات والقطاعات العسكرية.
رحم الله الملك المؤسس على كل ما قَام به من جهدٍ لإنشاء هذا الوطن الشامخ، وأطال الله عمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد – حفظهما الله- لمواصلة المسيرة والارتقاء بالوطن الغالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى