وسط صراعات الفكر والثقافة والحـرب الشعواء ظهـر لنا القيمة والقامة العظيمة الدكتور غازي القصيبي .. ظهوراً إستثنائياً مختلفاً ومتفرداً بالكثير من الرؤى والأفق والحلم واللطف على أولئك المهاجمون الذين شنوا عليه الكثير من الإداعاءات والافتراءات الكاذبة والتي أججتها الأدلجة الصحوية والنمطية التشددية التحزبية آنذاك ..
لا لشيء غير انه المختلف في تعاطيه مع الحياة ، وغير انه كان يحجهم بالحجة المنطقية والعقلانية ، ومواجهة ” ديماغوجيتهم ” بالكثير من الرويّة والإدراك موظفاً بلاغته وأسلوبه وجمال مفرداته الحداثية ، وقدرته الإبداعية في رسم الكثير من التساؤلات حول الكثير ممن أختلفوا معه وأفكارهم التي تحاكمهم تلك الأفكـار والمعتقدات الهلامية والتي تلاشت مع الأزمنة وباتت من رجعية التشدد وظلامية الفكـر المتعصب للفكرة والتسطيح دون الإيغال في حقيقتهـا ومن زواياها المختلفة ..!
تلك المرحلة المليئة بالمساجلات والمماحكات والدوافع العدائية ذات الجذور الإنتقامية والتي من أهمها كتاب ” حتى لا تكون فتنة ” إن هذه الحرب الفكرية المليئة بالتجاوزات الممنهجة والشخصنة المقيتة كانت بمثابة مصل مناعة لدى الدكتور غازي القصيبي والتي منحته الكثير من الشعبية والرمزية الثقافية والفكـرية , ومنحته الكثير من الجرأة والشجاعة والإقدام دون أن يبالي بمن حاربوه وقذفوه بكل الوسائل فكان يمضي نحو فضاءات الفكـر ، ويكتب تجـربة فلسفته ” لا يصح إلا الصحيح ” لكل العابرين القادمين الباحثين عن حقيقة الحياة !
الفيلسوف والمفكّر والشاعر والأديب والسفير والوزير .. تتقاسم تلك الشخصيات في شخصية هذا المبدع الكبير بفكره والعظيم بمبادئه وقيمه المؤمن برؤيته وأفكاره السامية ..!
فكم كانت موفقة وزارة التعليم وهي تعتمد تدريس كتاب ” حياة في الإدارة ” للدكتور غازي القصيبي – رحمه الله – والذي اجزم بأن الكثير قد قرأه واستمتع بتنوع مواقفه ومعايشته للكثير من المواقف التي برع القصيبي الروائي والدبلوماسي في سردها في قالب روائي وسردي قصصي مذهل جمع الكثير من الأحداث الملونة والتجارب العميقة هذا الكتاب تحديداً كان بمثابة السيرة الذاتية للمثقف ورجل الدولة المعاصر والذي خاض تجاربه الإدارية من خلال مواقع الريادة التي شغلها وتنقلاته بين أربع وزارات ” الصناعة والعمل والمياه والكهرباء والصحة ” .. إضافة لعمله الأكاديمي وإدارته للعديد من الشركات الكبرى وكان سفيراً لبريطانيا والبحرين ..
نحن أمام شخصية مليئة بالمفارقات العظيمة والتي تتجلى بوضوح في الإداري وأن يكون صاحب قرار ويؤمن بالتخطيط قبل العمل وأهمية الوقت وتوظيف الإعلام عندما يكون لديه من الأعمال ما يمكن أن يعلن والتحفيز لكل العاملين المميزين وصفات الإداري الناجح والتوثيق والحرص على كتابة كل المواعيد الهامة في أوراق الملف الخاص بالعمل … الخ والكثير من صناعة الفكر الإداري القادر على إحداث الكثير من الإبهار والإنجاز والنجاح ..!
فالقصبي من خلال كتابه يقدم لنا تجـربة متجددة متطورة للأجيال القادمة فهو حين كان يكتب لم يكتب للمرحلة التي كان يعيشها فقط بل كان يدعو الأجيال لقراءة ما يكتب ومنها كتابه ” حياة في الإدارة ” ودواوينه ورواياته وخواطـره ورحلاته وأسفاره ؛ كي يثري الطلاب ويضيفوا لحياتهم ، وكي يزدادوا إدارةً وثقافةً وبعداً أدبياً يتماهى مع تطلعاتهم وطموحاتهم في رسم ملامح مستقبلهم الجميل بإذن الله تعالى .
ومضة :
كثيرا مايردد الدكتور غازي القصيبي كتابه” في حياة في الإدارة ” : وهل أنا بحاجة لأن أقول … ” وهي كناية أن بعض المواقف والتجارب والأحداث قد تلتصق بوجدان القارئ الكـريم فتفهم من السياق .