لا يمكن ظهور أي مشروع في عالم العلن إلا ويظهر له ما يُنافسه، ومن خلال تطبيق مفاهيم وأدبيات (الجيو سياسية) نكتشف الحقيقة وأبعادها كاملة بلا رتوش، فمنذ إعلان الصين عن مشروعها (طريق الحرير) الذي يربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى، من أجل تدفق السلع الصينية على القارة العجوز، ثارت حمية العم (سام) وغيرته الاستعمارية الجشعة التي ترى في سياسة الصين (تصفير المشاكل مع التوسع تجاريًا في كل اتجاه) منافسًا قويًا على مناطق نفوذه السياسي والاقتصادي، بينما الصين على النقيض من سياسة أمريكا الاستعمارية التي تزداد عتوًا واستكبارًا مع كره سائر دول العالم لها؛ وخاصة سياستها الصليبية تجاه العالم العربي والإسلامي؛ حيث تؤثر مصالح الكيان الصهيوني ومصالح إيران على مصالحها الهائلة مع دول الخليج العربي، انطلاقًا من البُعد الصليبي المقيت، الذي رسم سياستها في الخليج العربي والعراق واليمن وبلاد الشام، بينما الصين على النقيض من ذلك تمامًا التي ترى أن مصالحها التجارية تكمن في البُعد عن التسيُّس ونصب المكائد الأيديولوجية والاستعمارية، ومن هنا كانت الخطة الأمريكية بإنشاء الطريق البديل لطريق الحرير والمستهدف به ما يلي :
١- الصين.
٢- المملكة العربية السعودية.
٣- مصر.
ويمكن اكتشاف ذلك من خلال مسيرة الخط المقـترح، والذي ينطلق من الهند العدو اللدود للصين، مرورًا بدولة خليجية تُمثل الدينمو المحرك لمسيرة هذا الطريق الذي ينتهي إلى خليج العقبة وإلى ميناء إيلات الصهيوني تحديدًا كخيار أولي، مستهدفًا بالدرجة الأولى ضرب مستقبل مدينة (نيوم) السعودية ونشاطها الاقتصادي الهائل الذي يتوسط بين ثلاث قارات (آسيا وأفريقيا وأوروبا)، والتي من المتوقع أن تُمثل في نهاية المطاف إمبراطورية سعودية اقتصادية ضخمة جدًا تكون بديلًا عن الثروة البترولية للمملكة، ومن البديهي أن تضعف (هيمنة سنغافورة وجبل علي) اقتصاديًا من على خارطة التجارة العالمية، فضلًا عن إساءة علاقة المملكة بمصر الشقيقة، وتُعتبر مصر الكنانة المتضرر الأكبر من هذا الطريق الشرير (طريق الضرار) الذي يُمثل تهميشًا واضحًا وجليًا لمكانة قناة السويس (كأشهر ممر مائي للتجارة العالمية)، وليست هذه أول مرة تتآمر فيها تلك الدولة الخليجية على مصر، فقد سبق أن موَّلت سد النهضة بأثيوبيا، وتموّل حاليًا الاضطرابات بالسودان عن طريق عميلها (حميدتي) مما ينعكس سلبًا على مصر حتمًا بالضرر البالغ، إن لم تتدخل مصر فورًا وتنهي الصراع في السودان لصالح الشرعية، وتوعز بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في السودان لإقامة حكومة سودانية جديدة وقوية، تلم شعث ما أفسده العميل حميدتي والمليشيات المساندة له، ولا يمكن إدراك خيوط خطورة تأثير هذا (الطريق الشرير المقـترح) إلا بدراسة واعية ومتأنية لجميع أبعاده المختلفة، بعيدًا عن التخمين والخرص والضرب في أدوية الوهم، من خلال دراسة المعطيات الموضوعية على الخارطة الجغرافية، وتسخير عدة علوم مثل: علم الاقتصاد السياسي، وعلم الاستراتيجية الجغرافية؛ فضلًا عن دراسات أدبيات علم المستقبل، فالمنطقة العربية مقبلة لا أقول على مؤامرة بقدر ما هي كارثة إن لم يلطف (الله عز وجل) بها ثم بتحرك ذوي الشأن والقرار قبل فوات الأوان .
أ.د غازي بن غزاي العارضي