كم هي جميلة مكتبات الأرصفة في شوارع القاهرة القديمة، ففي شارع “فؤاد” بوسط القاهرة وبجوار فندق “أمية” أمام دار القضاء العالي؛ الفندق الذي كنت أحد نزلائه مرتين، الأولى قبل أربعة عقود في مهمة كلفني بها الوالد-رحمه الله- لاختيار بعض العمالة المصرية المتخصصة في صناعة الطوب الأحمر (الآجر)، للتعاقد معهم للعمل في مصانع الطوب العائدة ملكيتها للوالد -رحمه الله-، أما الثانية فكانت بعدها بخمس سنوات بغرض التطبيب لدى أستاذ الباطنة الدكتور “ياسين عبد الغفار” -رحمه الله-.
اشتريت من إحدى مكتبات هذا الشارع؛ كتابًا نادرًا من الحجم الصغير بعدد (165) صفحة، لمؤلفه الكاتب والمؤرخ “فهمي عقل” صاحب جريدة الأحوال المصرية. الكتاب بعنوان “عرفت هؤلاء”، صُدر في عام 1970هـ، الموافق للعام 1951م، أي قبل (75) عام تقريبًا.
حكى فيه المؤلف عن لقائه بالملك عبد العزيز-رحمه الله- وأنجاله من الأمراء وكثير من رجال الدولة، وكذلك تكلم عن الشخصيات السعودية التي تعرَّف عليها خلال أدائه رحلة الحج التي قام بها في عام 1369هـ الموافق 1950م.
اقتبس من مقدمة المؤلف التالي: “إنني لم أكن أبغي من وراء رحلاتي العديدة إلى الأقطار العربية إلا الدرس والتسجيل، ثم النقد والتحليل، فلم أترك شاردة ولا واردة إلا وسجلتها في واعيتي ثم نقلتها على القرطاس بكل أمانة وصدق وإخلاص.
التقيت بشخصيات بارزة -والكلام لايزال للمؤلف-، وأخرى تافهة، قابلت المُقنع والسافر والملتوي والصريح والصديق الجاهل والعدو العاقل، فدرست وتأملت وسجلت ولله الحمد.
وها آنذا أجتر ما اختزنته طيلة أعوام عديدة -والكلام للمؤلف- وأعرضه على الناس في كتب متلاحقة بعنوان “عرفت هؤلاء”، وها هو أوَّل كتاب اخترت أن يكون عن بعض من قابلت في المملكة العربية السعودية خلال رحلة الحج”. انتهى الاقتباس.
قابل المؤلف في المملكة الكثير من رجال المال، والأعمال، والسياسة، والأدب، ورجال الدولة، السعوديين خلال رحلته للأداء فريضة الحج؛ منهم علي سبيل المثال لا الحصر: الشيخ “عبدالله السليمان” الوزير الأول ورجل “الملك” المؤسس كما سماه المؤلف، والأستاذ “حسين فطاني” الذي كان يعمل في المفوضية السعودية بالقاهرة، و”يوسف ياسين” و”سليمان الحمد”، و”محمد سرور الصبان” و”عبدالرحمن الطبيشي”، و”إبراهيم الشوري”، و”فؤاد حمزة” و”مدحت شيخ الأرض” الطبيب الخاص للملك عبد العزيز، و”إبراهيم الطاسان” و”عبدالسلام غالي”، والشيخ “حسن شربتلي” و”أبو بكر بأخشب”، و”حسين نصيف” والشيخ “صدقة كعكي”، و”آل الجفالي” و”إبراهيم السبيعي”، والأستاذ الأديب “محمد علي مغربي” الذي وصفه بالتاجر الأديب قائلًا: “الأدباء قليلون في المملكة العربية السعودية وخصوصًا بين كبار التجار الذين لا يعرفون لغةً أبلغ من لغة الذهب والفضة، وفي عرفهم أن كلمة الجنيه فيها شاعرية لا توجد في قصيدة عصماء”، وختم بفضيلة الشيخ “عبد المجيد الحريري” قنصل عام الهند في مدينة جدة.
الكتاب جميل في متنه صغير في حجمه فيه سيرة عطرة لمجموعة من الرجال الأوائل الذين ساهموا مع “الملك” المؤسس عبد العزيز -رحمه الله- في وضع اللبنات الأولي لبلادنا الحبيبة بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، رحمهم الله جميعًا رحمة واسعة، وحمى الله المملكة وقيادتها وشعبها من كل سوء ومكروه.
0