إن الاهتمام بغرس الفكر الصحيح في الأجيال منذ الصغر، وغرس العقيدة الصحيحة وتربيتهم على فهم الإسلام الفهم العميق الذي يجعلهم ينظرون إلى دينهم على منهج حياة يحياه المؤمن بتفاصيله؛ فهو مُسلم في العقيدة والسلوك، مُسلم في الفكر والمبدأ، ومُسلم في النهضة والحضارة، وهو خليفة الله في هذا الكون ومهمته الإصلاح وعمارة الأرض، انطلاقًا من مبدأ الاستخلاف الذي يُحقق معنى العبودية لله -عز وجل-
فمن الخطأ الفادح النظر إلى الإسلام بصورة نمطية ضيقة مُقـتصرة على بعض جوانب الحياة دون بعض، وإذا اقتصر فهم المسلم لمعنى الاستقامة أنها تتحقق في المسجد مثلًا أو في بعض العبادات؛ فقد خسر روح الإسلام وأصبح شكلًا بلا مضمون، وجسدًا بلا روح، بل صار مثالًا سيئًا يشوه الإسلام؛ إذ لا يتخلَّق بأخلاق الإسلام ولا يحيا روح معانيه السامية.
إن الذي ينشأ على فكر سليم مُستمد من المورد العذب يُميز عند تفاعله واتصاله بالحضارات الأخرى بين حُسن المعاملة والاستفادة من الجوانب العملية للآخرين، وبين الانصهار في قوالب الحضارات الأخرى، والانبهار بالقشور، والانهزامية وطمس الذات؛ ولذلك نجد أن الذي ينشأ ضعيف الإيمان قليل الإدراك، فارغ الفكر؛ فإن عواصف الفتن وظلمات الشبهات تعصف به حيثما وجد فكرًا مُخالفًا للإسلام، ولا يجد من جذور الثبات على المبدأ ما يُعينه على تمييز الحق من الباطل.
لذلك فإن منهج التأسيس الإيماني الصحيح هو الشمول الذي تتبناه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الذي يعطي الحياة مسارًا فكريًا واضحًا للمرء المسلم، مبنية على أولويات حياته، لتحقيق معنى العبودية الخالصة، والصلاح في الأرض؛ لذا هذه المعاني تتحقق في التنوع الحاصل المتناسب في توجيه الفكر نحو مناعة حقيقية، تحميه من ضنك العيش، ومع مُجريات قاسية تحوَّل مساره بين ذاته من أهواء، وسطحية في التفكير بجهالة، وبين ضغط خارجي يهوي به إلى محطات التشتت، ثم الانحراف، ثم الانحطاط الفكري، الذي يصنع فجوةً بينه وبين بشرية سليمة، تبدأ إصلاحًا وعمارة، وتنتهي معه بتوريثه إلى الأجيال من بعده، فالفرد يسير في حياته وفق نتاج تفكيره. فما نراه اليوم من بُعد عن الإسلام، ورجعية في الفكر والتفكير، وتراجع عن الريادة والصدارة، سببه الرئيس هو خلل في ترتيب الأولويات التي تبناها لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلو كانت لآيات القرآن الكريم وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- أهمية في تفكيرنا وسلوكنا لنبع الخير وساد؛ لذا فإننا لن نستطيع تغيير الأفراد إلا بتغيير تفكيرهم، فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد: ١١)، لئلا نبقى فريسةً ينتهكها كل مارق أو ظالم أو كافر أو منحرف.
0