منذ سقوط بغداد سنة ٢٠٠٣م دشَّنت أمريكا مشروعها الشرير (الفوضى الخلاقة) التي أعلنته وزيرة الخارجية الأمريكية في حينها (كونداليزارايس) متعاضدًا ومتكاملًا مع مشروع الخميني (تصدير الثورة)؛ حيث قدمت أمريكا (عراق الرافدين والرشيد) على طبق من ذهب لإيران دون أن تطلق رصاصة واحدة، وتم خلال إدارة (بريمر) الحاكم اليهودي الأمريكي للعراق، تصميم دستور يوصل انقسام الشعب العراقي على أسس مذهبية بغيضة، ويعمق العداوة والشنآن بين أفراده على أسس دينية وسياسية متعصبة ومتطرفة، تحمل في طياتها معاني الثأر والانتقام وبعث عداوة الماضي السحيق بأثر رجعي، وبمعية ذلك نظام إداري وسياسي هش ينتج تنمية سُعار تيار الفساد الاجتماعي والإداري والسياسي والاقتصادي؛ بحيث يضمن لا تقوم للعراق قائمة ولا نهضة ووحدة حقيقية، ويتيح لإيران نشب أظفارها الحاقدة بالتلاعب بمقدرات ومستقبل العراق وحاضره، من خلال تجنيس مئات الآلاف من الإيرانيين الناطقين بالعربية، وبثهم في مراكز القرار وأوصال الدولة العراقية، ولم يخف “بريمر” حقده وتعصبه بقوله في مقابلة مصورة معه بقوله: (لقد آن للشيعة أن يحكموا العراق بعد عشرة قرون من حكم السُنة)؛ وكأن حكم حزب البعث يُمثل السنة، وأن جميع كوادره من أهل السنة، بينما كان صدام حاكمًا علمانيًا لا يفرق بين السنة والشيعة لا بل إن أكثر كوادر نظامه من الشيعة، وعدوه اللدود من يهدد حكمه، بغض النظر عن دينه ومذهبه وعرقه، وحين أطلقت أمريكا العنان للمشروع الإيراني (تصدير الثورة) بعد سقوط نظام صدام، تلاه سقوط سوريا في براثن وحقد مليشيات شذاذ الآفاق الصفويين بدعم من حزبها اللبناني وروسيا، بينما رفعت فرنسا وأمريكا الراية البيضاء عمدًا إيذانًا لسيطرة حزب إيران على لبنان بكل طوائفه؛ حيث استطاع هذا الحزب أن يستميل النخب السياسية والثقافية والدينية في لبنان، بالرهبة حينًا والرغبة حينًا آخر، ويبني دولة وسط دولة، وينهمك في شراء الذمم وولاء غالب الفصائل اللبنانية من نصرانية وسنية لصالح إيران، وتحت ما يُسمى (الربيع العربي) دلف عملاء إيران (الحوثيون) إلى صنعاء، والذي ثبت تلقيهم التدريب العسكري والتلقين الحزبي والتوجيه المذهبي الإيراني منذ عام ١٩٩٠م في جزر بباب المندب مستأجرة من أريتريا، وفي ظل انخداع العرب بما يُسمى (محاربة الإرهاب) وهي جماعات سنية مخترقة من أجهزة الاستخبارات الغربية والكيان الصهيوني، وإيران، ودولة علي عبدالله صالح في حينه إلخ وانتهاء صلاحية هذه الدعاوى العريضة رغم وجود منظماتها مصونة وتحت السيطرة الأمريكية والغربية والإيرانية، بدأت مرحلة تدمير كيان الدولة القطرية العربية، وظهر على السطح طرح جديد في غاية الخطورة لم يكن معهودًا من قبل، ولا يزال خفيًا لدى السواد الأعظم من المحللين السياسيين العرب والأجهزة الأمنية العربية حتى الآن، ويتمثل ذلك في زعزعة نظام الدولة القطرية العربية من داخلها وضمن مؤسساتها الصلبة (ونجح في جندلة دولتين عربيتين في براثن ومهيع الفوضى الجديدة) كما هو الحال في ليبيا والسودان بقيادة عميلين هما (حفتر وحميدتي) وإزاء هذه الكوارث الدراماتيكية المخيفة، لا مناص من وحدة بين الدول العربية الكبرى ذات التأثير والقوة وهي: المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، في ظل فشل المؤسسات العربية العمومية، في إيقاف انهيار الدولة العربية المعاصرة التي ذهب ضحيته حتى الآن ست دول عربية، بسبب التحالف المشترك بين القوى الثلاث الشريرة وهي: (المشروع الأمريكي والغربي الصليبي، والمشروع الإيراني الصفوي، والمشروع الصهيوني بشقيه العربي واليهودي)، وعلة اختيار الدول الثلاث للوحدة بالذات، لكونها البقية الباقية التي يعول عليها العرب (بعد الله -عز وجل-) في عقد عِصَم العروبة التي طفق يتمزق إربًا إربًا، في ظل انفراط عقد الأمن العربي الذي لم يسبق له مثيل في العصر الحديث، ورغم التحديات التي تواجهها كل دولة من الدول الثلاث على انفراد، فإن ما يجمعهم من القواسم المشتركة أكثر مما يفرقهم ويستلزم وحدتهم، بصبغة جديدة ومتينة وتكاملية بعيدًا عن العاطفة والمزاجية السياسية العجولة، حيث إن المصير الواحد والخطر الواحد المشترك بين الدول الثلاث يتداعى بإلحاح نحو إبرام وحدة تكاملية ضرورية تدرأ الأخطار المحدقة بتلك الدول الثلاث وسائر الدول العربية الأخرى أتباع لهم، ومن مسؤولياتها اللازمة المحافظة على البقية الباقية من الدول العربية التي لم تسقط في حبائل المشروع الثلاثي الآنف الذكر، وعليها العمل الجاد بإصلاح ما يمكن إصلاحه من الدول الآيلة للسقوط مثل: السودان وليبيا، ولجم التيار الصهيوني العربي الذي يُمثل الدينمو المحرك لدعم شِرة المشروعين الإيراني والأمريكي لخدمة دولة الكيان الصهيوني، وأحسب أن التسويف لا يرحم، والتواني عن إدراك المخاطرة المحدقة نهايته الحسرة والندم .
ومن المهم والضروري أن تؤول هذه الوحدة إلى مشروعات مشتركة (عسكرية، واقتصادية، وثقافية، وإعلامية، وسياسية) يلمسها رجل الشارع البسيط في تلك البلدان الثلاثة، ولا تزيدها السنون والأيام إلا توسعًا ورسوخًا، من خلال الاستفادة من دروس وتجارب الوحدة العربية الفاشلة أو البطيئة من جهة، والاستفادة من أنموذج الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى للاقتداء به، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها وأهلها كما ورد في الأثر .