المقالات

الاستشارات الأسرية ووسائل التواصل الاجتماعي

لم يعد يقتصر عالم السوشيال ميديا على البحث والتواصل، حتى غدت بوابةً مفتوحة على مصراعيها في جميع الجوانب، وجميع المجالات الحياتية سواء الاجتماعية أو الصحية أو النفسية أو حتى الطبية، ومن خلالها أصبحت تُقدم الاستشارات السريعة، والمختصرة خصوصًا عند بعض البسطاء؛ نظرًا لسهولة الوصول لها، وسرعة الحصول عليها لتوفيرها الجهد والوقت وبعض الأحيان المال، وربما تكون متنفسًا وملجأً للتحدث عن مشاكلهم وصراعتهم بكل جرأة وصراحة، لعدم معرفة الناس بالشخصية الحقيقية للمُستشير، ولظهوره باسم مستعار وهمي، وغالبًا هؤلاء يكونون فاقدين للحنان والاحتواء العاطفي أو أشخاصًا يعانون من اضطرابات نفسية أو تقلبات مزاجية، فيلجأون لها من باب الثرثرة والتنفيس للخروج من حالة الكبت والملل، والضجر والرتابة اليومية في حياتهم، بسبب تَعرُضهم لتعامل قاسٍ وسيئ من أقرب الناس لهم سواءً من والدين أو أزواج …، وهم في الحقيقة يجهلون العواقب الفادحة والنتائج الوخيمة لهذه الاستشارات.
ومن الجهة المقابلة يجد هؤلاء الذين يقدمون الاستشارات (غير المختصين المؤهلين) فرصةً لهم أن يكون لهم دور أيًا كان فيعرف بما لا يعرف، وفي حقيقة الأمر لا يملكون أدنى أدوات العلاج أو طرق الحلول وحتى أسس العمل المهني في التعامل مع الحالات والإشكالات، وكما قيل: “من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب”.
فَيُصْدر الأحكام الجزافية الكارثية التي يصل بعضها إلى مرحلة التخبيب بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.

ومما يجدر الإشارة إليه أن الفرد عندما ينبري وينطلق في اتخاذ أي قرار أو يرغب في حل أي إشكال لا بد أن يعي أن هناك جانبين:
جانب المشاعر وجانب الحقائق، فالحقائق تُمكن الفرد من إصدار الأحكام، واتخاذ القرارات بعقلانية متزنة ومدروسة، وأدلة ثابتة وشواهد محسوسة حتى يكون القرار الصائب والصحيح، أما المشاعر والعواطف فلا تصلح أن تعطي القرار السليم والحكم القويم؛ لأنها انطباعات سطحية أو ميول واتجاهات نفسية، فهذه الاستشارات التي يقدمها ويطلقها أشخاص مجهولون وغير مختصين أو موثقين مرفوضة تمامًا شكلًا وموضوعًا؛ فنتائجها وخيمة وعواقبها جسيمة؛ فتهدم البيوت وتشتت الأبناء وتزيدها اختلافًا وفرقة.
وكما ما نحرص عند إصابة أحدنا بمرض (عضوي) نجتهد لاستشارة الطبيب الحاذق علينا أن نكون أكثر حرصًا على عرض المشكلات التي تواجهنا في حياتنا الأسرية عند الأشخاص المؤهلين المتخصصين الذين يقدمون الحل الناجح والعلاج المناسب الذي يصحح لنا المسار ويقوّم لنا الطريق، وبفضل الله ثم برعاية طيبة مباركة من حكومتنا الرشيدة هناك منصات خاصة تشرف عليها الجهات الوزارية المعنية ناهيك عن جمعيات الإصلاح المباركة والمكاتب الاستشارية الأسرية التي تُقدم كل المساعدة، وفق الضوابط المهنية للاستشارات وفي جميع الجوانب الحياتية، وذلك من خلال المستشارين المتخصصين والمؤهلين ذوي الخبرة والدراية.
وختامًا.. إن كنت ممن يواجه المشكلة، اختر مستشارًا يُذللها لك، ويأخذ بيدك إلى بر الأمان بالضوابط والإمكانيات المرخصة، وإن كنت مستشارًا تذكر قوله تعالى: (إنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (سورة هود: 88)

– مستشار أسري بجمعية يُسر للتنمية الأسرية بمكة ومركز عين اليقين بجدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button