سؤال مُجرد
مرة أخرى، يثبت مجلس الأمن أنه بلا أمن.. وأنه بَات عبئًا كبيرًا على المجتمع الدولي.. وأنه بلا جدوى.. وأنه يُكرس لتجاوزات بعض الدول دائمة العضوية فيه التي تستخدم حق الفيتو؛ لتعطيل أي مشروع سلام تتقدم به بعض الدول في قضايا مصيرية تسعى لإحقاق الحق وتطبيق القانون الإنساني الدولي؛ خاصة في منطقة الشرق الأوسط.
“الفيتو الأمريكي” الأخير الذي أجهض المشروع الذي تقدمت به الإمارات العربية المتحدة وأيده غالبية أعضاء المجلس، لوقف إطلاق النار في غزة، وإصرار الولايات المتحدة الأمريكية على استمرار الحرب الهمجية والعبثية التي حصدت حتى الآن أكثر من 17 ألف قتيل من المدنيين الأبرياء في القطاع بينهم أكثر من 7 آلاف طفل، ونزوح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني، وتدمير كامل للبنية التحتية في غزة، وكأنما أمريكا هي من تخوض الحرب في غزة وليست إسرائيل، وهو أمر لم يكن بالمُستغرب في ظل إدارة الحزب الديمقراطي للسياسة الأمريكية على أية حال، على الرغم من التحول الكبير في الرؤية العالمية بما فيها الشارع الأمريكي تجاه ممارسات الكيان الصهيوني من إبادة جماعية وتطهير عرقي، وتدمير عشوائي للبنية التحتية في غزة، وتهجير قسري للمدنيين في القطاع.
هذا الفشل الذريع لمجلس الأمن يؤكد مُجددًا عدم جدواه، وأنه موجود لخدمة أجندات معينة مزدوجة المعايير، ويثبت مُجددًا رؤية السعودية تجاه عمل المجلس، ويوضح بجلاء منطقية رفضها في 2013 شغل مقعد غير دائم من مقاعد مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة وقتها، بعد ساعات من وقوع الاختيار عليها لتشغل المقعد للمرة الأولى في تاريخها، والذي عللت رفضها آنذاك بسبب “ازدواجية المعايير في المجلس وفشله، خصوصًا في حل القضية الفلسطينية والنزاع السوري وجعل الشرق الأوسط خاليًا من أسلحة الدمار الشامل، وأن آليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب”، وهو الأمر الذي استمر من وقتها وما زال مستمرًا حتى يومنا هذا ويبدو أنه لن يتغيَّر، وستظل كل اجتماعات مجلس الأمن لحل قضايا المنطقة مجرد مضيعة وقت وشرعنة آثمة لجرائم الحرب، وانتهاك القانون الدولي الإنساني، وحماية جرائم الصهاينة بحق المدنيين الأبرياء في غزة.
نعم، أنا وكثيرون غيري لا نُؤيد حماس ولا ما قامت وتقوم به، ولكن هذا لا يعني أن تتخاذل المنظمات الأممية في إيقاف أو إدانة همجية الكيان الصهيوني في إبادة وتهجير شعب بأكمله.
“الفيتو الأمريكي” وكل فيتو يُعرقل السلام، هو فيتو مُلطخ بدماء الأبرياء وعار لن يُمحى من سجلات تاريخ منظمات دولية تدّعي أنها تحفظ السلام العالمي وتحمي حقوق الشعوب وتحرس القوانين الدولية، ولا بد من إعادة النظر في آلية عمل المجلس وهيئة الأمم، واستخدام كل وسائل الضغط المُمكنة لمعالجة هذه الازدواجية في معايير المنظمة الأممية، حتى لو وصل الأمر لمقاطعتها بالكامل، وإيقاف التعامل معها.