من الطبيعي.. إن من سمات العصر عدم الجمود على حالة، ومن الطبيعي كذلك أن تبرز اتجاهات وتوجهات يفرضها العصر ومتطلباته؛ وهذه حقيقة حتمية الحدوث في المجتمعات التي لا تقبل الركود، وفي المجتمعات التي تتعامل مع التحديات وتواجهها.
فالجمود على نمط معين يُصيب المجتمعات بالقابلية للتأخر؛ لذا فإن الدول التي ترى في النهوض سبيلها؛ فلا بد من توظيف الإمكانات المتاحة لأجل النهوض .
لدي قناعة.. إننا نحن السعوديين لدينا المقدرة على عدم الجمود، ولدينا المقدرة على التعامل مع تحديات كل مرحلة تحول وما يستجد فيها؛ لذا لم نجد وطننا المملكة العربية السعودية تتأثر كثيرًا بالحركات التي حدثت في العصر الحديث، والتي بدأت في منتصف القرن الميلادي السابق كالحركات القومية، والحركات التي تأخذ صفة دينية لتوجهها مرورًا بالعصر الحديث في بدايات القرن الواحد والعشرين حين بدأ ما يُسمى بالربيع العربي وما نتج عنه .
قد يتساءل أحدنا ويقول: لماذا لم نجد تأثيرًا لتلك الحركات والصيحات التي أثّرت في دول أخرى لم تحدث في المملكة العربية السعودية ؟
فالجواب: – من خلال وجهة نظري ومن خلال متابعتي- إن المملكة العربية السعودية تُعد هي التحدي لكل تلك التحديات التي مرت، وتتعامل مع كل تحدٍّ بإمكانات تواجه هذا التحدي وتجعله تحديًا لصالحها، وهذه حقيقة يعرفها المُتابع لتاريخ المملكة العربية السعودية .
لقد كانت الصحوة الإسلامية خطابًا عامًا هدفه الأساس مواجهة تحديات كالمد القومي وقوته في ذلك الزمن من خلال التأثير لكن المد القومي كان الانتماء إليه لا بد أن يواجهه انتماء أكثر قوةً؛ فكانت الصحوة الإسلامية وما نتج عنها تأسيس منظمات إسلامية تحت إدارة المملكة العربية السعودية مثل( منظمة التعاون الاسلامي، رابطة العالم الاسلامي، الندوة العالمية للشباب الإسلامي ، البنك الإسلامي) ؛ لهذا نجد أن التحدي القومي يواجهه التحدي الإسلامي، وهذا لا يعني اندثار الفكر القومي ودعواته الاشتراكية، والحرية إذ كان في ذلك الزمن توظيف لوسائل الاتصال المُتاحة، والتي تصل إلى الجماهير بل إنها استطاعت التأثير في كيانات دول عربية وغيَّرت من أنظمتها .
ما الذي حدث للصحوة في المملكة العربية السعودية ؟
أظن أنه بعد الركود للحركات القومية، وما تفرع عنها وحين ساد السلم في الدول العربية بدأت الصحوة تأخذ منحى آخر؛ وذلك حين تمَّ اختراقها من جماعة الإخوان المسلمين تلك الجماعة السياسية، والتي من أهدافها الوصول إلى السلطة، في حين كانت الثقة في شخصيات تمكنت من المنابر الثقافية والإعلامية، والتربية والتعليم وصولًا إلى التعليم العالي، وكانت أنشطتها تتسم بالبُعد السياسي والحركي، وزاد من حدتها أحداث الخليج الثانية أعقاب غزو العراق للكويت في عام 1990م / 1991م، هنا بدأت الصحوة الإسلامية المخترقة – أرى باختراقها – من جماعة الإخوان ورموزها تأخذ مبدأ التسيُّس السياسي، وتأخذ بمبدأ المواجهة مع الأنظمة العربية بما فيها المملكة العربية السعودية، والتي عانت من فروعها كالقاعدة ورموز وشخصيات لها تأثير وحضور لا يمكن تجاهله، ولا تجاهل التطلعات ونتائج ذلك مستقبلًا لو تمكنوا من إطالة البقاء .
هل نمرُّ بصحوة جديدة في المملكة العربية السعودية ؟!
أعتقد.. إننا نمر بصحوة جديدة معاصرة ثقافية من أسسها العودة بالمجتمع السعودي للحياة الطبيعية دون العبث في العقول من جهات أخرى حتى وإن أخذت الصفة الدينية، هذه الصحوة رسمت معالمها في الرؤية الوطنية 2030 والتحول الوطني 2020، وهذا ما نُشاهده اليوم من بواكير عدم العبثية بالوطن وعقول مواطنيه؛ للانتقال إلى مرحلة تحوَّل جديدة غير مسبوقة هدفها النهضة والتنمية والبناء والنأي بالوطن عن عوامل التأخر عن العالم الذي يؤمن بالتقدم و التنمية .
هذه الصحوة الجديدة التي نعيشها اليوم، يجب علينا المحافظة عليها من الاختراق؛ وذلك من خلال تعليم جيد، وإعلام مُحترف، وتجفيف ما بقي من منابع الركود، وطرق التصادم، وبقايا التطرف.