ظهر مصطلح القوة الناعمة في العصر الحديث، ويُعزى بادئ ذي بدء إلى (جوزيف ناي) في كتابه (مقدرة القيادة المتغيرة للقيادة الأمريكية) عام ١٩٩٠م ثم طوَّر هذا المفهوم، وصاغه في كتابه (القوة الناعمة) ثم أصبح شائعًا في كتابات المفكرين المعاصرين؛ وخاصة في الأمن والسياسة والاجتماع وعلم النفس، والذي يهمنا في هذا المقام أن ندرك أن الله -عز وجل- حبا دولتنا السعودية (حرسها الله وصانها) (قوى ناعمة) متشعبة الجوانب والاتجاهات لا تُقهر، ولم تحظَ بها دولة سواها في عصرنا، وثمة قوى ناعمة أخرى تُشاركنا فيها دول أخرى، وحديثي ينصب على القوة الناعمة الخاصة التي لا تُشاركنا فيها دولة قط، وأعني بها القوة الإيمانية التي تنبثق منها القوى الناعمة المادية والمعنوية الكبرى، والتي تتمثل في المشاعر المقدسة، والمسجد الحرام، والمسجد النبوي، ومواضع السيرة النبوية، وتاريخ الخلفاء الراشدين، وحسبنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه (رضي الله عنهما)، وعلى مقربة منهم قبور عشرة آلاف صحابي (رضوان الله عليهم) في بقيع الغرقد، وخارطة واسعة من المواقع الثابتة لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين التي تذرع بلادنا طولًا وعرضًا (والتي لم تُستثمر دعويًا وحضاريًا وإعلاميًا وثقافيًا حتى الآن)، تلكَ هي القوة الناعمة الفريدة التي تنفرد بها بلادنا، وتربط ملياري مسلم ببلادنا خمس مرات في اليوم والليلة جسدًا وروحًا؛ حيث تهفو إليها قلوبهم، وتشخص نحوها عيونهم، وتجذبهم إليها بقوة المغناطيس الإيماني والذي تجلى واضحًا في أهميتها (الجو سياسية)، ورشحت بلادنا بلا منافس لتسنم قيادة العرب والمسلمين، وتُملي علينا في ذات الوقت أن نرتقي لحقوق هذه القوة الناعمة شئنا أم أبينا، وهو ما يجب أن نرضعه لأطفالنا منذ نعومة أظفارهم، ونضمنها مناهج التعليم والتربية، والإعلام والثقافة..إلخ ونُصيّر فلسفتها إلى منهجية عملية وحضارية شاملة، وليس من شك أن لهذه القوة الناعمة من يحسدنا عليها، أو يحاول صرفنا عنها، ويضيق ذرعًا من امتلاكنا إياها، وليس المقام هنا لعرض وتسمية هؤلاء الأعداء التقليديين والمتجددين، ولكن الأهم من ذلك كله التركيز على معرفة خصائص هذه القوة الناعمة وكيفية توظيفها في جميع المستويات بصبغة تقبل الديمومة والتطور والرقي، ولا سيما أنها تُشكل رافدًا حضاريا نفيسًا ورائدًا لا منافس له ألبتة، وبقدر ما تكون معيارًا حضاريًا وثقافيًا فإنها تضعنا دائمًا في المقدمة، وتقينا من سلبيات وشرور الحضارة الغربية المعاصرة ووهناتها وسقطاتها، التي حذّر منها كبار المفكرين والفلاسفة الغربيين، وهذا يستلزم منا تنزيل هذه القوة الناعمة في برامج علمية وعملية قابلة للتنفيذ تحافظ على تميزنا وخصوصيتنا وهويتنا الحضارية، وتقود العرب والمسلمين بلزوم غرزنا والسير وراء زعامة قيادتنا (حفظهم الله ووفقهم)، دون أن نتكلف كبير عناء؛ نظرًا لكون تلك القوة الناعمة ترتبط بعقيدة (ملياري مسلم) وعبادته، وهذا ما يُملي علينا قراءة جديدة للسيرة النبوية في القرآن والسنة وتشخيصها على الواقع المنظور، وفق ما وصلت إليه تقنيات العصر؛ لتحقيق عدد من المقاصد الشرعية والوطنية والثقافية، والسياحية، والإعلامية، والتي يأتي في طليعتها صياغة نظرية حضارية، تُنتزع من السيرة النبوية الشريفة، وتاريخ الخلفاء الكريم، نُقدمها إلى الأجيال القادمة في قوالب منهجية قابلة للتنفيذ .
وثمة شروط لتفعيل هذه القوة الناعمة السعودية كما يلي:
1- الانفتاح على جميع المظاهر الحضارية المعاصرة، باقتباس الانتقائية والنقد الواعي، وليست بالتبعية والتقليد .
2- المحافظة على الهوية الوطنية السعودية، وتجديدها بعنصري الجمع بين الأصالة والمعاصرة .
3- تأصيل سياسة الاحتواء لجميع المذاهب والتيارات العربية والإسلامية بفاعلية الاستقلالية من وجه وتصفير الخلافات البينية من وجه آخر، شريطة نبذ الإرهاب وعدم الانغماس في براثن التيارات المناهضة والمعادية للمملكة العربية السعودية .
4- التوسع في الاستثمارات الاقتصادية والثقافية بصبغة السعودة العربية الإسلامية، ذات البُعد الدعوي والثقافي.. إلخ.
5- الحذرمن الجهات المريبة التي تريد للمملكة التقوقع والتموضع حول الذات، وفصلها عن قوتها الهائلة الآنفة الذكر، وقطع تواصلها مع البُعد العربي والإسلامي .
6- العمل الجاد على إزالة جميع المعيقات المنظورة والمتوقعة التي تحاول جاهدةً الحول دون تفعيل قوى المملكة الناعمة والقعود بها دون الاستثمار والتجديد المطلوب.