المقالات

الصبر على أذى الخلق من علامات قوة الإيمان

قال تعالى في محكم التنزيل: «وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (الشورى:43)، كما قال تعالى: «وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ» (النحل:126)، وكذلك قال تعالى: «وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً» (المزمل:10).. وهذه الآيات البينات تدل على أن الصبر على أذى الخلق من علامات قوة الإيمان.
وفي سنن الترمذي، أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: «الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا للنَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلمِ الَّذِي لاَ يُخَالِطُّ النَّاسَ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ».
وفي سنن ابن ماجه، أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَهُوَ يَقْدِر عَلَى أَنْ يَنْتَصِرْ دَعَاهُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُؤوسِ الْخَلاَئِقِ حَتّى يُخْيّرَهُ فِي حُورِ الْعِينِ أَيَتُهنَّ شَاءَ”، وقد قال الله تعالى: “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (آل عمران:134).
وقد ورد ذِكر الصبر في القرآن الكريم في أكثر من سبعين موضعاً في موطن المدح والثناء والأمر به، وذلك لعظم موقعه في الدين، وقال بعض العلماء أن كل الحسنات لها أجر معلوم إلا الصبر، فإنه لا يحصر أجره لقوله تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (الزمر 10).
ويحصر الناس الصبر في نوع واحد وهو “الصبر على البلاء”، ولكن الحقيقة أن للصبر 4 أنواع، وهي كما يلي:
(1) الصبر على البلاء: ومعناه منع النفس عن التسخط والهلع والجزع، وهو أيضاً الصَّبْر على الابتلاءات والنّوازل العصيبة، حيث إنّ من طبيعة الحياة الدنيا أنّها لا تصفو لأحد، ولا يسلم من آلامها وبلائها بَرّ ولا فاجر، ولكنّ المؤمن بدافع الرّضا عن أقدار الله -سبحانه- يواجه كلّ الابتلاءات بثبات وجَلَد لأنّه على يقين أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
ويرى المؤمن أنّ أنبياء الله – تعالى- وهم صفوة خَلْقه قد ابتلاهم المولى -سبحانه- بأنواع كثيرة من الابتلاءات، لكنّهم واجهوها بالرّضا والتّسليم والصَّبْر الجميل، ولنا في قصة نبي الله أيوب المثل الجميل.
(2) الصبر على النعم: ومعناه تقييد النفس بالشكر وعدم الطغيان والتكبر بها، وكَأن ما يلقى الْعَبْد فِي هَذِهِ الدنيا لا يخلو من نوعين: أحدهما يوافق هواه ومراده، والآخر مخالف لما سبق، وَهُوَ يحتاج إِلَى الصبر فِي كُلّ منهما، أما النوع الموافق لغرضه (كالصحة، والسلامة، والجاه والْمَال وأنواع الملاذ المباحة) وَهُوَ أحوج شَيْء إِلَى الصبر فيها من عدة وجوه هي: أحدها.. أن لا يركن إليها ولا يغتر بها ولا تحمله على البطر والفرح المذموم، وثانيها.. أن لا ينهمك فِي نيلها ويبالغ فِي استقصائها فَإِنَّهَا تنقلب إِلَى أضدادها، فمن بالغ فِي الأكل والشرب انقلب ذَلِكَ إِلَى ضده وحرم الأكل والشرب والجماع. أما ثالثه.. أن يصبر على أداء حق الله فيها ولا يضيعه فيسلبها، ورابعها.. أن يصبر عَنْ صرفها فِي الحرام، فلا يمكن نَفْسهُ من كُلّ ما تريده مَنْهَا فَإِنَّهَا توقعه فِي الحرام، وقد قَالَ عبد الرحمن بن عوف – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: “ابتلينا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بالضراء فصبرنا، وابتلينا بعده بالسراء فلم نصبر” (سنن الترمذي).
(3) الصبر على المعاصي: ومعناه كف النفس عنها، حيث إنّ الدنيا بملذّاتها وشهواتها تُشكّل ابتلاء من نوع آخر في حياة المسلم، ومن شهوات الدنيا التي يدفعها المسّلم عن نفسه بالصَّبْر كي لا تُعْسِر عليه سلامة المسير وفق مراد الله – تعالى- شهوة النّساء والمال والمتاع وغيرها، لنا في قصة قارون ومصيره المثل، فبعد أنْ أغدق الله – تعالى- عليه من صنوف المال والذّهب والفضة، أنكر فضل الله – سبحانه وتعالى- عليه؛ فخسف الله به الأرض، وجعله عبرة لأولي القلوب والأبصار.
(4) الصبر على الطاعة: ومعناه المحافظة والدوام عليها، حيث إنّ النفس بطبعها تميل إلى الشّهوات، وهذا مانع للعبد من الانقياد السريع لفعل الطّاعة، لذا يلزم المرء في هذا النوع من أنواع الصَّبر أنْ يعوّد نفسه على خُلُق الصَّبر في ثلاثة مواضع: الأوّل.. قبل البدء بالطّاعة يَحْسُن بالمسّلم أنْ يتفقّد نيّته ويطهّرها من كل شائبة رياء، ويستحضر الإخلاص لله -تعالى- وحده، والثّاني.. الصَّبْر أثناء قيامه بالطّاعة، فيحرص المسّلم على أدائها على الوجه المشّروع وفق ما جاء به النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم-، والثّالث.. الصَّبْر بعد أداء الطّاعة، فيحرص أنْ لا يُدخل لنفسه العَجب أو محبّة ثناء الخَلْق؛ فيُفسِد على نفسه عمله.
ومن فضائل الصبر على المسلم ما يلي:
* نيل الثواب العظيم في الآخرة، قال تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” (الزمر: 10).
* نيل محبة الله قال تعالى، إذ يقول – جل وعلا-: «وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ” (آل عمران: 146)
* تحقق معية الله للصابرين، إذ يقول – سبحانه-: «وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” (الأنفال:46).
* الجنة لمن صبر على البلاء في الدنيا، قال عطاء بن أبي رباح: ” قَالَ لي ابنُ عَبَّاسٍ: ألَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِن أهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلَى، قَالَ: هذِه المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أتَتِ النبيَّ – صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقَالَتْ: إنِّي أُصْرَعُ، وإنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولَكِ الجَنَّةُ، وإنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ: أصْبِرُ، فَقَالَتْ: إنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لي أنْ لا أتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا» (متفق عليه).
* خير عطاء من الله للمؤمن كما ورد في (الصحيحين): قال النبي – صلى الله عليه وسلم-: «وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ” (صحيح النسائي).
* للصابر ثلاثة بشائر بشر الله بها، فقال تعالى: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” (البقرة: 155- 157).
ومن أبرز أدعية الصبر التي وردت عن النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم- ما يلي:
– ” اللهمّ يا صبور صبّرني على ما بليتني وامتحنتني يا أرحم الرّاحمين، اللهمّ إني أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك، وتحوّل عافيتك وجميع سخطك ربنا أفرغ علينا صبراً، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين”.
– “.. ويا ذا النور الذي لا يطفأ سرمداً، أسألك أن تكفيني شر كل ذي شر، وأسألك فرجاً قريباً وصبراً جميلا، وأسألك العافية من كل بلية.. اللهم بك أدفع ما أنا فيه، وأعوذ بك من شره يا أرحم الراحمين، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم”.
– ” اللهم إنى أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً”.

– عضو مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج أفريقيا غير العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى