المقالات

جريمة الخوف

“الضفدع هو ملك الغابة في أعين الذباب.. وليس الأسد”

الجرائم تكتسب قبحها بطبيعة ما تخلف، وتتسامى في ذلك الشؤم بحسب الدرجة التي وصلت فيها من التأثير، ومتى سلمنا بهذا – وأزعم أن الجميع كذلك – سنصل إلى تعريف جديد للجرائم أو بمعنى أدق سيدخل في هذا المصطلح تفاصيل أخرى حقيقة بالاسم وجديرة بالتعريف.

نعرف الخوف بأنه الشعور الأسواء كـ امتداد لانعدام الأمن بكافة مستوياته، وهذا الخوف مختلف باختلاف المهدد، وبطريق أخرى مختلف باختلاف ما يشكل التهديد، ويزرع الخوف.

نقف هنا على ما يريده نيتشه فيما نصنع نحن تجاه أنفسنا، وحجم الدمار الذي نحدثه في أعماقنا بسبب سوء التقدير من جهة والانسياق خلف الآخرين في تحليل الموقف وفق ما يحللوه وبناء التصور وفق ما يروه، لنصل من خلال تلك الخطوة إلى جريمة انصياع وجريمة خوف وجريمة قبول وجرائم أخرى كثيرة سببها الأول والأخير هو حكم بنيناه من حكم.

أحكام الآخرين ستبقى أحكام الآخرين ولأحكامهم أحقيه فربما ذلك الحكم نتاج تجربة وبالتالي ليس بعد التجربة مخوّل بالحكم، وبالمقابل… أي أحقية في أن نصنع حكماً على تجربة غيرنا؟ وخاصة فيما يستوجب الخوف من عدمه.

ما يصنع تهديداً لك يمثل أماناً لغيرك والعكس في أحيان أخرى، وربما هذه الزاوية أحد مواطن الفشل في منعطفات حياتنا، ونجد هذا كثيراً في حقل التعلم والتعليم وخاصة في المساق الأكاديمي الذي يعتمد على الاختيار وفسحة الانتقاء فهناك من حرم نفسه من تخصص جاهد في الوصول إليه وحين قارب المشهد على الاكتمال استمع لتجربة أخرى وقاس عليها فوطّنها أنموذجاً وصيرها قانونا وترك الجمل وحمله والطريق وأهله، وغير المسار، وانتهى حلمه تحت تهديد الخوف وجريمة القياس الخاطئ.

هذا باب تشكلت فيه جريمة الخوف، ومن هذا الباب أبواب لا تنتهي وقصص تروى ولا تمحى، ولن ننسى الكثير مما خفناه أول الأمر حتى إذا خُضنا تجربته وجدناه غير ما قيل وخلاف ما نسمع.

تخيل أن ملك الغابة هو الضفدع!!

هو كذلك فعلاً لأنه كل ما يخافه الذباب، وسيبقى ملك الغابة في عينه مادام هو التهديد، ومادام مصدر الخوف.. ولكن لدى الذباب فقط.

ختاما … الخوف جريمة تعاقب عليها النفس والحياة والتاريخ، ولكن تكون أكثر جرماً وأشد جنايةً حين يكون خوفك أنت صنيعة تصور غيرك، لأن هذا خليط من التعدي والغباء والظلم “فلا تدع ما يرعبهم يرعبك”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى