الشاعر المصري الكبير “حافظ إبراهيم” ولد في أسيوط إحدى محافظات مصر عام (1871م)، كان شاعرًا ذائع الصيت نشأ في أسرة فقيرة، ذاق فيها مرارة البؤس واليتم، أطلق عليه أسماء عدة منها: “شاعر النيل” الذي لقبه به صديقه الشاعر “أحمد شوقي”، وأيضًا لُقب “شاعر الشعب”، لأنه كان كثير الاهتمام بشئون الشعب المصري ومشكلاته، وكان شعره مرآة للأحداث الاجتماعية والوطنية التي عاصرها.
بعد وفاة والده، أتت به أمه قبل وفاتها إلى القاهرة؛ حيث نشأ بها تحت كفالة خاله الذي كان ضيَّق الرزق، أحس “حافظ” بضيق خاله مما أثَّر في نفسه؛ فرحل عنه وترك له رسالة كتب فيها:
ثقلت عليك مؤونتي …. إني أراها واهية
فافرح فإني ذاهب …. متوجه في داهية
تناول حافظ في قصائده الكثير من القضايا الاجتماعية التي لها أبعد الأثر في تطور المجتمع البشري رقيًا وانحطاطًا، كالمثل والقيم الإسلامية، وكذلك قضية مكارم الأخلاق بشكلٍ عام، وأخلاق المثـقـفين بشكلٍ خاص، ففي مكارم الأخلاق فلنصغِ إليه جيدًا، وهو يحدثنا في هذه الخليقة الهامة:
فإذا رُزقتَ خليقةً محمودة… فقدِ اصطفاك مقسِّمُ الأرزاقِ
فَالنَّاسُ هَذَا حَظُّهُ مَالٌ، وَذَا عِلْمٌ وَذَاكَ مَكَارِمُ الأَخْلَاقِ
وعن أثر الأم في تربية الأبناء قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها … أعددت شعبًا طيب الأعراق
سافر حافظ إبراهيم إلى سوريا، وعند زيارته للمجمع العلمي بدمشق قال هذين البيتين:
شكرت جميل صنعكم بدمعي … ودمع العين مقياس الشعور
لأول مرة قد ذاق جفني …على ما ذاقه دمع السرور
كان “حافظ إبراهيم” محاربًا للبدع كالتبرك بالقبور والأولياء التي انتشرت في بلده مصر في تلك الفترة؛ فنادى الشيخ “محمد عبده” لمّا كانت الرحال تُشدّ إلى مدينة “طنطا” لزيارة “السيد البدوي”.
إمام الهدى إني أرى القوم أبدعوا…. لهم بدعًا عنها الشريعة تعزفُ
رأوا في قبور الميتين حياتهم…. فقاموا إلى تلك القبور وطوّفوا
وباتوا عليها جاثمين كأنهم …. على صنمٍ في الجاهلية عُكَفُ
ولما شاهد الناس يبذرون الأموال والهبات على قبر “السيد البدوي” أنشد ذات يوم قطعة من شعره يشكو فيها بؤسه وفقره جاء فيها:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم … وبألف ألف تُرزقُ الأموات
للسيد البدوي ملكُ دخلهُ …خمسون ألفًا والحظوظ هباتُ
من لي بحظ النائمين بحفرة …قامت على أحجارها الصلواتُ
يسعى الأنام لها ويجري حولها…. بحرُ النذور وتُقرأ الآياتُ
ويقال هذا القطب باب المصطفى …ووسيلة تُقضى بها الحاجات
توفي “حافظ” سنة (1932م)، وكان وقتها كان صديقه “شوقي” يصطاف في الإسكندرية، وعندما بلغه وفاة “حافظ” شرد “شوقي” لحظات ثم رفع رأسه، وقال أول بيت من مرثيته لصديقه “حافظ” قال فيه:
قد كنت أوثر أن تقول رثائي …. يا منصف الموتى من الأحياء
رحم الله حافظ إبراهيم” وموتى المسلمين أجمعين اللهم أمين.
0