عندما كنتُ أدرس في الجامعة، كان يطلب كل دكتور ودكتورة كتابة تأملات حول المادة، وكان هذا الطلب يكون بشكل أسبوعي، كانت هذه التأملات تحمل الإجابة على سؤالين: “ماذا تعلمت؟”، “ما أكثر ما أعجبك؟”.
وكنت أتساءل وقتها لماذا.. ؟! وما فائدة ذلك.. ؟!
وبعد ذلك طرحت هذين السؤالين لـطالباتي في الصف الأول والثاني/ مادة التفكير الناقد، وعرفت بعد ذلك أني أردتهم أن يتأملون في خبراتهم، النشء لا يستوعبون بشكل تلقائي قيمة الخبرة ما لم يبحثوا عنها.
إنك عندما تتأمَّل تتمكن من رؤية الخبرات بمنظور أوضح، تتمكن من اكتساب تقدير جديد لأشياء كانت تمر بك في السابق دون أن تلحظها، إن أغلب الناس يدركون تضحيات آبائهم عندما يصبحون مثلهم آباء، وهذا هو نوع المنظور الذي يتأتى بالتأمل.
من فوائد التفكير التأملي أنه يُمكنك من أن تمنح نفسك استقامة عاطفية لحياتك الفكرية؛ وذلك من خلال النظر للوراء وللخبرات الجيدة والسيئة، واستخلص دروسًا مفيدة منها.
وبالتفكير التأملي يزيد ثقتك في اتخاذ القرارات وعدم التسرع فيه أو حتى التشكيك فيه، من خلال سنواتي الأولى في التعليم، وعندما كانت تواجهني مشكلة كنت أحاول دئمًا إلى التسرع في حلها بالاعتماد على الحدس، أو الهروب منها، ورغم أنها تكون قد أفادتني بشكل شخصي في بعض الظروف، إلا أنني وجدت صعوبة في تعليم طالباتي كيفية مواجهة التحديات بشكل فعَّال ..؟
وبالتفكير التأملي يمكنك أيضًا وضع الأفكار والخبرات في سياق أكثر دقة؛ وذلك من خلال قضاء الوقت في إمعان النظر فيما فعلناه وما رأيناه. بعد أن أنتهي من تقديم ورشة، أقضي وقتًا في تفكير تأملي، وغالبًا ما أقوم بذلك في مكان هادئ وعند تناولي للقهوة، أتأمل في استجابة الحضور، وتعليقات القادة، وردود الفعل التي أتلقاها. هل طبقت أهدافي من الورشة؟ هل كان تواصلي معهم جيدًا..؟ هل لَبيت مستوى توقعاتي ..؟
ومن الجانب الديني؛ لقد جاء القرآن الكريم بالحث على التفكر والتأمل في آيات كثيرة وألفاظ مختلفة، وقد مدح الله من أحيا عبادة التأمل، ويصنف التأمل من العبادات القلبية الباطنة.
ويمكن للإنسان التأمل بالكون وما فيه من إبداعٍ وإتقانٍ وجمالٍ، والتأمل في آيات القرآن وما فيها من دقّة في التشريع، وفصاحة وأسلوب، والتأمل في خلق الله -تعالى- للإنسان بأن خلقه بأحسن صورةٍ، والتأمل في طبائع البشر كيف أنّ الله -عزّ وجلّ- جبلهم على أمورٍ عديدةٍ؛ منها: حب المال والشهرة والرئاسة وحب الخلود، والحرص على التملّك وعمارة الأرض، والتأمل في الكائنات الحيّة بأشكالها وأنواعها وأساليب حياتها.
ولا نغفل عن فوائد هذه العبادة العظيمة “إن التأمل أشرف من عمل الجَوارِح، وأيضًا فالتفكر يُوقع صاحبه من الإيمان على ما لا يوقعه عَلَيْهِ العَمَل المُجَرّد فإن التفكر يُوجب لَهُ من انكشاف حقائق الأمور وظهورها لَهُ وتميز مراتبها في الخَيْر والشَّر ومَعْرِفَة مفضولها من فاضلها وأقبحها من قبيحها ومَعْرِفَة أسبابها الموصلة إليها وما يُقاوم تِلْكَ الأسباب ويدْفَع مُوجبها، والتمييز بَين ما يَنْبَغِي السَّعْي في تحصيله وبَين ما يَنْبَغِي السَّعْي في دفع أسبابه والفرق بَين الوَهم والخيال المانِع لأكثر النُّفُوس من انتهاز الفرص بعد..” الشافعي.
ولنا في رسول الله قدوة حسنة فقد كان التأمل عبادته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
رائعة عبير تعجبني مقالاتك