الثقافية

قراءة نقدية في فيلم “ناقة”

ما هو فيلم “ناقة”؟

فيلم سعودي، بدأت منصة “نتفليكس” عرضه في تاريخ 7 ديسمبر الحالي 2023، وهذا الفيلم من تأليف وإخراج مشعل الجاسر، ومن بطولة أضواء بدر ويزيد المجيول.

فكرة الفيلم

فكرته التي يدور حولها بسيطة، لكن الطريقة التي عرضت بها مركبة جدًّا، تجعل الأحداث تترسخ في داخلك، تاركة لأثر بحسب رؤية المتلقي.

تدور الأحداث حول شابة سعودية تنتمي لأسرة محافظة تحتال بطريقتها على والدها لتحضر حفلًا سريًا ثم تتواكب الأحداث متسارعة؛ لتجد نفسها في مواجهة عقبات عدة، من ناقة ناقمة وشرطة وطريق مكتظ وغيرها.

الفيلم جريء، مختلف، مُثير للجدل، يجعل المتلقي مشدوهًا يركض مع البطلة لاهثًا، متوترًا، قلقًا، يعيش شعورها قسرًا، ولا يخلو من الإبداع .
والفيلم غامض ليس من السهل أن يبوح بمكنونه، أو قراءته، وفك رموزه.

الافتتاحية

يبدأ الفيلم بعام 1975، ونرى رجلًا يقتحم المشفى غاضبًا؛ لأن زوجته ولدت على يدي طبيب رجل، ليرتكب جريمة بحق زوجته والطبيب.

ينتقل بعدها مباشرة دون مقدمات للزمن الحاضر، ليقف المتلقي متسائلًا:
ما العلاقة! ؟؟؟

ربما أن العلاقة وطيدة وعلى المتلقي استكمال الفجوة الناقصة!

الطريق إلى المخيم يُمثل الفاصل بين الماضي والحاضر بين البيئة المقيدة والمجتمع المتحرر، بين التقليد والحداثة، الصحراء رمز للبيئة البدوية، الرحلة إلى المخيم تبدو كرحلة سنوات، تكتشف خلالها سارة زيف الحبيب وخداعه، ومدى حنية الأب الصارم وطيبته، وتتغيَّر نظرتها لكثير من الأمور حولها.

الناقة ربما تُشير للمرأة المقيدة في بيئة لا ترى منها إلا الواجبات المناطة بها، والتي عليها القيام بها على أكمل صورة.
لكن هذه المرأة المضطهدة قد تتحوَّل لجبار حاقد إن قررت الثورة على الظلم والضيم، ولا يمكن صدها أو الوقوف في وجهها.

وقد تُشير الناقة للعادات والتقاليد التي تواجه الفتاة إن حاولت التمرد والخروج عن محيطها وكسر قيودها، فالشابة سارة لما خُيّل إليها الخلاص من طوق والدها وصرامته، إذ بالناقة تنتظرها في الطريق نحو المجهول، لتخوض معها معركة شرسة تنفد سارة منها بعناء وحيلة.

لغة الفيلم السينمائية

السردية

السرد قليل، وفيه شيء من الركة، ولعل الأمر مقصود، فالمخرج لم يكن يحتاج من النص السردي إلا أن تكون الحوارات مختصرة وواضحة بلغة سهلة بسيطة، رغم احتوائها على ألفاظ ربما نسميها “شوارعية” تؤذي السمع، ويراها الفيلم حقيقة لا حجة في التغاضي عنها.

التصوير

حركة الكاميرا ساعدت في نقل القلق الذي يعتري الشابة سارة من الداخل، وجعلت المُتلقي يعيش ذلك الشعور بالقلق والخوف بحدته .
لكنها كانت مُربكة بشكل كبير للقارئ؛ لأنها لم تدع له فرصة أن يرى الفيلم بالعين التي يريد.
واتخذ المخرج من الكاميرا بديلًا عن السرد في كثير من المشاهد، التي قلّص فيها النص السردي مستعيضًا عنه بالصورة.

الموسيقى
غلبت على بعض النصوص السردية، بشكل مبالغ فيه.
بينما أضفت في مشاهد أخرى جوًا شاعريًا ناسب المشهد.

الشخصيات

وأبرز شخصيات الفيلم

1-البطلة سارة

فتاة ذكية لا تستسلم، تشعر بالحنق على مجتمعها وقيوده، ولا يعجزها أن تجد حلًا لكل مشكلة، مندفعة، تسعى للتغيير وتغامر لأجل الحصول على رؤيتها الخاصة.

2-الوالد
صارم دقيق، يفرض قيودًا على من حوله، خوفًا وحرصًا، وربما حنانًا وحبًا أيضًا.

3-الحبيب
شاب مُخادع ينسج شبكه حول الفريسة، حتى إذا ضمن الصيد كشف قناعه، وأظهر حقيقته.

4-الصديقة
فتاة مُخادعة تستغل الفرص لصالحها.

5-الناقة
المكلوم الحاقد، التي تخطئ في الانتقام فبدلًا من أن تجهز على سعد قاتل ابنها ظلت تطارد سارة .

الفيلم بغموضه وسرعته ربما يُمثل حياة فئة من الفتيات السعوديات اللواتي يعشن صراع العادات وجبروت التقاليد، والقيود الصارمة، ومحاولاتهن المستميتة- عبثًا- في الخروج من قيودها، فتعاطيها الدخان سرًّا، التحايل والكذب لتخرج مع صديقها، دفعها لمبلغ مالي لصديقتها لتتستر عليها، خروجها بالحجاب أمام الأهل، ثم نزعها له حين غابت عن أنظارهم، حين خرجت مع الشاب يلحظ المتلقي أنها كانت صامتة تتأمل مع نفسها، وكأن تعلقها بالشاب ليس سوى ذريعة للخروج من قيود العادات.

تنقلت الصورة بين المشفى في الافتتاحية، ثم تنوعت الأمكنة بين السوق والطريق والصحراء، والخيمة .
ليمزج بين الحاضر والماضي من خلال الصورة، والأمكنة قد ترمز للناس وعقلياتهم المختلفة كاختلاف الأمكنة.

الفيلم نخبوي درجة أولى ليس من السهل تلقي مدلولاته وقراءته أو فك رموز.
فهو يحمل رسالة للمصالحة بين جيل الآباء والأبناء؛ فنحن أمام جيلٍ ليس بالهين، وفرض القيود حوله عبث لا جدوى منه، إذ إنه سيحتال بطريقته للتملص والخلاص منها؛ لذا على الآباء تفهم احتياجاتهم والاستماع إليهم ومعرفة مآربهم ومناقشتهم حولها.
فعودة الفتاة سارة- بعد رحلة توتر وقلق وركض طويل- إلى أحضان والدها الذي يضمها إليه في قلق؛ فيعودان إلى المنزل وكأن شيئًا لم يكن، يرمز أن القيود المبالغة تجعل الفتاة تخطط للخلاص بأي وسيلة ليس حقدًا على أسرتها بقدر ما هو رغبة في اكتشاف الممنوع، حتى إذا تسنى لها وعايشته، عادت لأحضان أبيها مستكينة ولجوّ أسرتها مقتنعة راضية.
يقف الفيلم في صف الأسرة، فيرسل رسائل: منها أن الحبيب قد لا يكون حبيبًا بل ذئبًا مخادعًا، والصديقة ليست دائمًا أهلًا للثقة، وأن صرامة الأب قد تكون حرصًا وخوفًا، وأن المجهول الذي نُخاطر من أجله قد لا يستحق .

نجح الفيلم أيضًا في الغوص إلى أعماق شخصية المرأة الشابة، وحافظ على رمزية المكان وثيمة خصوصية السعودية. الناقة/ الصحراء/ الشعر والغوص إلى أعماق الذات بكل تحولاتها النفسية والاجتماعية.
اتبع الفيلم تقنية السرد المتوازي من أجل إضفاء التشويق؛ حيث تُساعد هذه التقنية المضطربة على تعزيز طاقة الفوضوى للفيلم، وجعله يبدو مثيرًا.

ويعد أول فيلم روائي طويل للمخرج مشعل الجاسر إلا أن الجاسر أظهر إبداعًا لافتًا وثقة تستحق الإشادة.

المآخذ على فيلم الناقة:

1-اضطراب الكاميرا بشكل غير مدروس في بعض المشاهد.

2-إعطاء مشاهد لا داعي لها حيزًا أطول من غيرها، وإضافة مشاهد لا تحمل دلالة أو تفسيرًا، فظهرت كحشو .

3-صخب الموسيقى الطاغي في أحايين كثيرة بشكل مُبالغ فيه.

4-تدرجات الإضاءة كانت أمرًا مرهقًا للعين.

5- بعض الألفاظ مبالغ في سوقيتها بشكل مُبتذل.

6-النص السردي ركيك في سبكه.

7-التصوير لا يجب أن يحل محل السرد، وإنما يكون مساعدًا له.

مريم إبراهيم الحربي

ماجستير علم نفس إرشادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى