وجه اللواء متقاعد عبدالله غانم القحطاني، الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، رسالة مطولة، إلى المحاضر الأمني بكلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية فايز الدويري، بشأن وجهة نظره وتفسيره للأحداث في غزة.
وقال “القحطاني” في تغريدة عبر حسابه على منصة إكس: “يجب أن أشكر عطوفة الباشا المحترم فايز الدويري، الذي حاضرنا، ونثر من مخزونه المعرفي جواهر استراتيجية تتلألأ مصداقية وإخلاص، خلال الدراسة مع زملائي بكلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، الباشا ضابط محترف سابق، خدم بلاده بالجيش العربي الأردني، وبلا شك أنه جدير بأن يؤخذ منه”.
وأضاف: “لثقتي باشا أن جنابك مُنصف وتحترم المصداقية والوضوح وحرية الرأي المنضبطة التي تنادي بها، فاسمح لي فقط أن أطرح تعليقاً وليس انتقادا بخصوص ما قاله جنابك عن الحرب ألتي أسميتها “بالكاشفة” في غزة”.
وشرح قائلا: “أولاً وأنت الخبير فإن “طوفان الأقصى” عبارة عن شكل من أشكال حرب العصابات، وهي عملية مدبرة جاءت نتيجة لجهد دولة إقليمية هي إيران ونفذتها حماس ضد أهداف قريبة داخل حدود الكيان الغاصب، وبكل المقاييس حققت عنصر المفاجأة بنجاح في ظل فشل مخابراتي إسرائيلي، ثم حققت خسائر كبيرة في قوات الاحتلال ومواطنيه، ثم استعادت وهج الأضواء العالمية لقضية فلسطين ولو من جانب إنساني، ولن أتحدث أبداً عن تفاصيل الحرب المنعكسة وخسائرها الرهيبة ضد المدنيين في غزة، وأيضاً ليس مفيداً الآن طرح مؤشرات مستقبل القضية الفلسطينية الذي سيكون أسوأ مما سبق فجر معركة يوم السابع من أكتوبر 2023 م وبسببها”.
وتابع الباحث الاستراتيجي والأمني: “استمعت وشاهدت ما كرره جنابك بأن هذه المعركة كشفت ضعف جيش إسرائيل، وأن هزيمة العرب في أكثر من معركة سابقاً ليس لها ما يبررها، نظراً لضعف ووهن جيش العدو ولا غير!، والحقيقة أن إسرائيل بأكملها عطوفة الباشا ليست بشيء بمفردها في مواجهة جيش عربي واحد، ولكن يا سيدي لماذا نظلم الجيوش المصرية والسورية والأردنية التي كانت تُكشف وتُضرب وتحارب وتهزم ثم تُحتل مواقعها وتكشف ظهورها ويلتف حولها، ليس بقوة إسرائيل بل بدعم وإسناد واستخبارات وأسلحة جيوش أمريكا وحلفاءها في أوروبا، وحتى بالمواقف الانتهازية للاتحاد السوفييتي السابق”.
واستكمل تغريدته: “أفهم جيداً أننا جميعاً نعاني في دواخلنا من جملة تراكمات، ما بين إحباط وألم وحسرة بسبب خسارة الحروب مع إسرائيل ثم خسارة الأرض في كل معركة بما فيها أرض غزة أو جزء منها في هذه الحرب الدائرة حالياً، وأخيراً خسارة المصداقية حتى مع أنفسنا وأبناءنا هروباً من تلك التراكمات وما فعلته بنا، ولكن هذا لن يعفينا أمام التاريخ ومن المسؤولية التي تتطلب قول التفاصيل واقعاً كما هي وتقبلها بشجاعة، ثم العمل على توعية جيل قادم لظروف مختلفة وحقنه بالحقائق والصدق، ليتمكن هو من إنجاز ما يمكنه بعد أن نقول له لقد حاولنا ولم ننجح، وقد تسببنا بهزائم ثم صورناها لكم انتصارات، فلا تكرروا ما فعلناه بقصد أو بدونه، وإياكم أن تضعوا أيديكم بأيدي الأعداء وأن تظاهروا لكم بالصداقة والإخوّة”.
ووجه اللواء متقاعد عبدالله القحطاني حديثه لفايز الدويري قائلا: “سأقول ما قد يغضبك، ومنك ألتمس العذر باشا، من الجور القول بأن حماس حققت النصر المفقود الذي فشلت الجيوش العربية في تحقيقه، وأن حماس أثبتت بأن إسرائيل تُقهر بسهولة ومن خلال عملية محكمة التوقيت والمباغتة في ساعتين، فهذا يعني أن العرب وجيوشهم لم يكونوا بذكاء وقوة وشجاعة حركة حماس وعقيدة الحرس الثوري الخميني القتالية والتدريبية، وأنت قبل غيرك باشا تعلم أن أي مجموعة مسلحة تعمل بأسلوب حرب العصابات، اضرب واهرب، ستحقق نتائج سريعة ومفاجئة ومؤلمة في جسم الخصم ثم تهرب وتختفي ليبدأ ضدها رد الفعل المعاكس من خلال ملاحقتها وضربها ولن تموت، لكن هذه المرة قُتلت غزة في الطريق عمداً وانتقاماً جباناً بقرار إسرائيلي أمريكي أوروبي، وقد تنزع أسلحة حماس”.
وتابع رسالته: “الحقيقة التي أريد وضعها هنا، أن منظمة القاعدة فعلت في 11 سبتمبر ما لم يسبقها به أو إليه أحد، الاختراق المتدرج ثم عنصر المفاجأة وبدائية التخطيط والتنفيذ، وصولاً لحجم القتلى والجرحى والخسائر الشاملة المختلفة التي ليس لها حدود في تاريخ أمريكا، وقد قيل ويقال أنها مؤامرة تعلمها واشنطن مسبقاً وتغافلت عنها!، فهل هذا ينطبق على طوفان الأقصى 7 أكتوبر مثلاً!؟، لا أعتقد ذلك في الحالتين”.
وأكد أن “هناك تصريحات من الكونجرس معلنة تتهم إيران بالضلوع في تخطيط مهاجمة الأبراج بالطائرات، ومنظمة القاعدة بصوت مؤسسها وقائدها الذي قال بلسانه إن غزوة منهاتن بنيويورك وواشنطن وبنسلفانيا كانت لأجل تحرير القدس ورفع الظلم عن فلسطين!. فهل صدق عملياً، وهل رفع لو الحظر عن دخول المصلين للأقصى على الأقل؟!. كلا فماذا عن فصائل محدودة الإمكانية تعمل من غزة تحت الأرض مقابل جيوش الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ولا تحدثني عن جيش إسرائيل فما هو إلاّ سرية استطلاع متقدمة لتلك الجيوش الداعمة عبر سلاسل بحرية وجوية وبرية وهذا ما يجري الآن؟!. أليست هذه حقائق عطوفة الباشا؟. أما مجيء أساطيل الغرب ومدمراته فهي والله ليست لأجل عظمة وخطورة وقوة حماس بل لحماية إسرائيل من وقوع مفاجأة عسكرية أكبر محتملة قد تشنها جيوش نظامية تساندها جماعات مسلحة على عدة جبهات!؟.
وأشار إلى أننا بحاجة إلى المصارحة والمصداقية وقول الواقع كما هو لهذه الجماهير العربية، التي أصابها الذهول لما تسمع وما يطرح عليها بأشكال متناقضة، مضيفا: “ألم نقرأ باشا ما كان يقوله رجال إعلام عبدالناصر في الساعات الأولى بعد الهزيمة عام 67م، ثم رحل الرئيس ولم يعترف بخطئه، لكن التاريخ ها هو يقول الحقائق ويكذّب وبفضح أمواج الظلام والتضليل التي تلقاها العربي المقهور بكل مكان، ومحمد سعيد الصحاف رحمه الله، أقنع العرب من المحيط إلى الخليج بأن العلوج ينهارون على أسوار بغداد، بينما كان الجيش العراقي ينهار ويذوب، وها هي بغداد اليوم في قبضة إيران بماركة ورغبة أمريكا، وأنكشف الأمر بتفاصيله”.
واستطرد بقوله: “لا أعتقد أخي المعلم عطوفة الباشا، أن طوفان الأقصى المشؤوم وحرب إسرائيل الإرهابية القائمة ضد غزة ستكون انتصارا عربياً وهزيمة لإسرائيل وجيشها، وإن كنت أتمنى هزيمتها وقهرها، وما فعلته حماس ومن يؤزها من خلفها سيكتب عنه التاريخ بنفس ما كتبه عن عنتريات ومغامرات عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، وصدام حسين ومعمر القذافي، وحافظ وبشار الأسد، ولا ننسى صاحب صنعاء -رحمه الله- على صالح الذي أعتقد أنه هو الأذكى بالمنطقة العربية فسحقته إيران بعد أن خدمها!”.
ولفت إلى أن الحقائق صعب تجاهلها كما قال سعود الفيصل رحمه الله، وإن كتب الله لنا مزيداً من العمر جميعاً فسنرى “ختيارية” حماس بعد تقاعدهم يدلون بشهاداتهم واعترافاتهم بأخطائهم العظمى واختطافهم، بعد أن يكون الوضع في القطاع مختلف، وبعد أن يكون لمنظمة التحرير الفلسطينية لغةً وهياكل مختلفة -على حد قوله-.
واختتم تغريدته قائلا: “بكل أسف أن ما جرى ويجري ما بعد فجر 7 أكتوبر هي نكسة وهزيمة ومصيبة وجرح غائر في فلسطين وعموم المنطقة العربية، وخسارة عربية عظمى يقبض أرباحها كيانين معاديين للعرب هما إسرائيل وإيران وخلفهما الغرب والشرق!، ويدفع ثمنها مليوني عربي فلسطيني أبرياء بغزة، ينامون تحت قصف القنابل وألم الجوع والأمراض ولم يؤخذوا في الاعتبار قبل غزوة الطوفان ولن يهتم بهم من عذبهم، أما مواقف السعودية ودول مجلس التعاون ومصر والأردن مما يجري، فهو الممكن وأكثر من مشرف، وليس مطلوب منهم دخول حرب باسم المحور الإيراني لمصلحة إيران ضد إسرائيل ليخسروا كل شيء وتبقى فلسطين تحت الاحتلال وتحتل إيران باقي عواصمهم، أطيب الأماني لك باشا وللأردن العزيز”.
0