“لا تنسَ أن تحبّ نفسك”
نثرها فيلسوفٌ قبل أكثر من مئتي عامٍ ليقول لي ولك “أحبَّ نفسك”، ربما يراها البعض سطحيةً مبتذلةً مقررةً معروفةً ليس فيها ما يستحق الانتشار أو يستوعب الأخذ.
لم يكن كيركيغارد سطحياً بهذه المقولة ولا في غيرها -على الأقل عند من يعرفه ويقرأ له- بل يحاول استفزاز المتلقي بما يعرفه تجاه ما لا يعرفه، وبالتّالي يصل إلى المطلوب بأسرع الطّرق وأسهلها، لذلك صرّح بهذا النّهي البسيط.
أيّاً كان؛ فنحن هنا نقف على المشهد من زاويته الأكثر ظلماً (أنت حين لا تحبّ نفسك). وهل يمكن ألا تحبّ نفسك فعلاً!!!
يمكن، بل ويكثر. فالأغلب فيمن يستوطن هذا الكوكب على هذا المذهب. ويتضاعف الوزر ويتناقص بين نسيانٍ للذّات تماماً وتجاهلٍ كاملٍ للوجود، وبين درجةٍ أقل تعفيك من ذلك التصنيف، ولا تعفيك من الإثم.
مراعاة النفس برٌّ بها؛ وبرّك بنفسك دليلٌ لبرِّ غيرك بك، وما لا يتم الوجب إلا به فهو واجب، إذ إنّ ردود الأفعال المؤذية في خلفية الصورة تجاهك هي نتاج أفعالك، فأنت مقدّر ومشفق، ولا أحسَب أنَّ أحداً يحبّ أن يوضع في صورةٍ تتمثل الشّفقة، حتى ولو كانت صادقة التّعبير.
حبّ الذّات يورد عادةً محاور متعددةً من البناء، وهي سلسلةٌ تمثل سلماً يكون الأول فيها سبيلاً للثّاني، وهكذا حتى نهاية السّلسلة.
حين تبني نفسك من الدّاخل ستتحصل معرفة جديدة نحوها، وهذه المعرفة تسوقك إلى تقديرٍ محمودٍ يصل بك إلى استحقاقٍ يلوح في الأفق، تسعى جاهداً في العمل عليه لتجدك في محور البناء التّالي، الذي يُعنى بتنميتها وتأهيلها لما يجب أن تكون، حينها ستجد نفسك مجبراً أن تحترمها، بل وأن تحبّها كذلك.
يمكن تفسير تلك الخطوة كذلك بأن تصنع معاداةً حقيقةً مع كلّ من يحاول النّيل منها، أو تحقيرها، أو حتى التّندر بما يمكنها أن تصنع، وتُسكت الأفواه التي جهلت حقها، فقصّرت في الإيمان بها، وهذه أحادية الرأي التي نرفضها؛ إلا في هذا الموضوع. ولا بأس أن تستمع بقدر ما يكون الاستماع إيجابياً نافعاً، وما عدا ذلك فهو من سبيل الهدم.
فسحتهم في النّظر والحكم مساحةٌ أنت من يعطيها الآخرين، وفق قانونٍ يحفظ لك ذاتك من تسلط الحمقى، ويمنحها تنقيح المحبّ وتقويم الناصح.
ختاما.. اعتدّ بنفسك ولا تقبل المساومة وهذا هو الحبّ.