مُجتمعنا لا يزال مجتمعًا متماسكًا اجتماعيًا، ويحرص على التواصل والتقارب والتلاحم، ومن القيم والسلوكيات الجميلة التي يتميّز بها المجتمع منذ القدم ومازالت فيه حتى اليوم زيارة المريض، وهي فضيلة حثّ عليها ديننا الحنيف، ورغّب فيها وجعل لها الأجر والثواب الكبير.
فرسولنا وسيدنا وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حثّ على زيارة المريض فقال: عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفكوا العاني.
وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا)
إلا أن هناك بعض الآداب والذوقيات التي ينبغي لنا أن نحرص عليها حتى لا تكون زيارتنا للمريض مُخالفةً للذوق والآداب، ومُزعجة للمريض وأهله.
فالبعض منّا يختار الوقت المناسب له هو لزيارة المريض، وليس الذي يُناسب المريض؛ فتجده يأتي في الصباح أو في وقت الظهيرة أو بعدها، وهي أوقات غير مناسبة لزيارة الصحيح السليم في بيته؛ فكيف بمريض في المستشفى؟!
والبعض يأتي حتى دون استئذان سواء من المريض أو أهله؛ فتجده يُفاجئ المريض وأهله بزيارته في وقت غير مناسب. فقد يكون المريض للتو خارجًا من عملية جراحية أو فاقدًا للوعي أو متألمًا، وقد لا يشعر بمن حوله ومن زاره أساسًا بل وربما كان المريض غير متواجد في غرفته، ويجري بعض الفحوصات أو التحاليل خارج غرفته.
وبعض الناس لا يُحسن الحديث مع المريض؛ فيلومه على ما حدث له وربما تحدث بأمور وأخبار مُزعجة للمريض دون أدنى شعور بالمريض وحالته.
والبعض منَّا يقوم بزيارة المريض على شكل دُفعات وأفواج ومجموعات بأعداد كبيرة؛ وكأنهم ذاهبون لاستراحة أو ديوانية أو مناسبة، وليس لزيارة مريض؛ وذلك يُسبب إرباكًا وإزعاجًا للمريض وغرفته وأهله.
ومن الأمور المُخالفة للذوق أننا أحيانًا نحوَّل زيارة المريض إلى سواليف ووناسة بين الحاضرين أنفسهم، وتبادل الأحاديث فيما بينهم غير آبهين ولا مهتمين بالمريض أصلًا.
وبعض الناس يُبالغ في زيارة المريض، ويجلس عنده وقتًا طويلًا، وهذا يُسبب إزعاجًا له ولأسرته، وربما أيضًا للتمريض والأطباء، وينبغي ألا تزيد الزيارة عن دقائق معدودة.
ومن الذوق والخُلق الرفيع أن يحرص الزائر على إحضار هدية معه مناسبة للمريض ولو كانت بسيطة؛ فإن ذلك يُدخل السرور والبهجة عليه وعلى أسرته .
أيها السادة.. إن زيارة المريض فن وذوق وأخلاق يحسن بنا أن نحرص عليها ونتعلمها؛ حتى تحقق الزيارة أهدافها ونتائجها وثمارها المقصودة.