المقالات

الصراع التاريخي ومُعتقدات اليهود في أرض فلسطين

لا يخضع الصراع الفلسطيني اليهودي للآراء الشخصية والاجتهادات إذا كان الحديث يدور حول دوافع وأسباب تواجد اليهود في فلسطين ونشوء وتنامي هذا الصراع القديم؛ حيث تتوقف كل الآراء عند حقيقة أنه صراع عقدي تاريخي وليس سياسيًا جغرافيًا كما يصوره بعض الإعلاميين والمثقفين وغيرهم من المتحدثين في وسائل إعلامية مختلفة؛ حيث يكتفون بسرد الأحداث والمؤامرات والمؤتمرات التي سبقت زراعة الكيان الصهيوني في الجسد العربي، وبعضهم قد يكون له رأي آخر حول أحقية اليهود في أرض فلسطين.
فانطلاقًا من وعد بلفور مرورًا بمؤتمرات أوروبا التي انبثق عنها تهجير اليهود واقتراح إنشاء وطن قومي لهم، إلى تحديد فلسطين مقرًا لدولة اليهود، ثم مؤتمرات هيرتزل المؤسس لقيام دولة قومية يهودية وأول من ترأس الصهيونية العالمية، بعدها أتى الانتداب البريطاني الذي انتهى بإعلان دولة إسرائيل وإحلال الشعب اليهودي في دولته (التاريخية) على حد قولهم، وكثيرًا من المراحل والأعمال الخداعة والظالمة عاشتها فلسطين على مضض منذ أكثر من قرن من الزمان، كل تلك الأحداث لم تكن إلا ترجمةً لمعتقد ديني وتراث تاريخي مزعوم يتبعه اليهود للوصول إلى هدفهم.
ولذلك اختيرت فلسطين موطنًا مغتصبًا لليهود على معتقد ديني بحت؛ حيث كان لا بد من ترسيخ وجود المستوطنين بمعتقد روحي لمكان مقدس وانتمائهم للأرض الموعوده وربطهم بهدف ديني؛ لأن حاخامات وحكماء صهيون يعلمون جيدًا أن الله قد حكم على اليهود بالتشرد والتشتت في الأرض، ولو تم توطينهم في أي بلد آخر بلا مقدسات أو تاريخ ديني فلن يعزز وجودهم فيه، وعلى سبيل المثال هيكل سليمان المزعوم ليس إلا كذبة جعلها كبراؤهم ذريعة لهدم المسجد الأقصى، ولإيهام أتباعهم بأنه لا زال لديهم هدف مقدس ينبغى الوصول إليه والسعي لتحقيقه للخلاص، وأن القدس هي عاصمتهم التاريخية والدينية وتراثهم المشروع.
فالبُعد الأيديولوجي هو الدافع الحقيقي لليهود والسبب الأكبر لوجودهم على أرض فلسطين وما يدينون به من معتقدات هو الدستور الذي ينتهجونه لإقامة دولة يهودية كبرى من النيل إلى الفرات كما هو مرسوم في مخططاتهم، وإطلاق اسم (إسرائيل) على كيانهم الطارئ هو منطلق المكر والخداع المؤدلج؛ فهو نسبة إلى نبي الله إسرائيل بن إسحاق (يعقوب)؛ حيث يدّعون أنهم جميعًا من سلالته الخالصة، متجاهلين بذلك أصولهم وأعراقهم التي تفرعت من كل حدب وصوب وأنهم شعب مُهجّر لهدف أيديولوجي من دول شتى منها: روسيا وأوروبا وأمريكا وأفريقيا وحتى من العرب ولا يوجد لهم عرق يجمعهم سوى شريعتهم وامتيازات الهجرة إلى دولة اليهود، وهذا (غيض من فيض) من كذبهم المكشوف وخداعهم المتأصل فيهم.
كما يعتقد اليهود في العهد القديم المحرّف أن الله وهبهم فلسطين ملكًا لهم كما وعد الله سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بما ورد في سفر التكوين (أعطي لك ولنسلك أرض كنعان ملكًا أبديًا) بينما في كتاب الله العزيز القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يقول الله تعالى على لسان سيدنا موسى -عليه السلام- لقومه بني إسرائيل عندما خرجوا من جور فرعون: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) (المائدة: 21) فعصوا وتمردوا وخالفوا أمر الله..قال تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)(المائدة: 24)؛ فحرموا منها ولم يدخلوها وتاهوا في الأرض أربعين سنة لا يعرفون مقصدًا ولا اتجاهًا، قال تعالى: (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (المائدة: 26)، وفي هذا بيان من الله أن الأرض المقدسة محرمة عليهم لتمردهم وغوايتهم، وأن التمكين في الأرض المقدسة، كان سيكتب لهم لو أطاعوه وامتثلوا لأمره تعالى، ولكنهم عصوه فعُوقبوا بالحرمان والطرد.
وعن منشأ اليهود ومهبط التوراة؛ فقد احتجوا بأنها أرض بني إسرائيل الذين كانوا في عهد موسى وأنها مجمع البحرين الذي تلقى عليه نبي الله موسى الصحف، وهي شبه جزيرة سيناء، بينما خالفهم في هذا الفهم التوراتي التيار المتشدد فخرج بمنظور أوسع وخدمة أكبر للمشروع الصهيوني وفسروا مجمع البحرين بأنه ما حوى بين الفرات والنيل، وكل ذلك لا يُبرر لهم الأحقية لبني إسرائيل (قوم موسى) في الأرض على الرأيين، فهم تجاهلوا دعوة نبيهم وعصوه ولم يتبعوا أمره فتبرأ منهم ودعى عليهم فعاقبهم الله بالتيه في الأرض.. قال تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (المائدة: 25) ومن باب أولى ألا يكون للإسرائيليين في هذا العصر حق أرض في فلسطين.
وهناك الكثير من المعتقدات التي لم تكن موجودة في كتاب العهد القديم الذي هو محرف أصلًا، وتم دسها في أسفار التكوين لخدمة مخططات إسرائيل وتحقيق أهدافها بالكذب والباطل، ولا غرابة في ذلك فاليهود أهل الكذب والنفاق والخيانة ونكث العهود وقتل الأنبياء وسب الله تعالى واحتقار الناس، كيف لا وقد لُعنوا على لسان سيدنا داوود وعيسى وموسى ومحمد -عليهم السلام-، في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى