▪هذا هو اللسان وهذا هو العقل اللذان قد يدمرا أو يصلحا العالم؛ فإما أن يكونا خيرًا أو شرًّا يجلبا الفساد والمهلكة.. وقد نشأت الحروب الإعلامية ضمن سياسات مختلفة ومآرب باطنها السموم، وظاهرها الكذب والنفاق والافتراءات المتشدقة.. وثمة من المتحدثين أو الكتَّاب من يسبق لسانه عقله أو يسبق قلمه عقله والعكس صحيح.. فيتسرع المُتحدث في بعض الأحاديث؛ خاصة عندما يكون أمام ملء من المشاهدين والناس أو حتى في حوار مع شخص أمامه يتحدث بطلاقة قد لا يدرك ما يقول، وهذا سبق لسانه عقله وعندما يدرك أبعاد حديثه أو كتاباته، ويكون متزن الأسلوب ومرتبًا ومنظمًا، وهذا نوع من أنواع القوة الناعمة، وتكون الرسالة فيها واضحة، وتصل للمتلقي بمفهوم جدًّا واضح بل يتقبله الآخرون، وهؤلاء الأشخاص هم من يسبق عقله لسانه أي يفكر ويتأنى في اختيار الكلمات والجمل والعبارات الهادئة ثم يضع أبعاد ما قد يتسببه حديثه أو حواره… وهؤلاء نادرًا ما يخطئون.
وهناك نوع من المتحدثين أسميهم بـ”الهمجية”، يمتازون في حديثهم بالحماقة والعشوائية ألسنتهم تسبق عقولهم سواءً في الخطابة أو الحوار مع الآخرين أو في الكتابة.. ساعة يُهاجم وساعة يهدد أو يدافع.. لا كلام متزن ولا حديث مرتب؛ وكأنه في غابة موحشة؛ كأنه طرزان على غفلة حاله يقول: أنا ومن خلفي الطوفان، ولا يريد ألا أن يكون متصدرًا ومنتصرًا سوءًا على حق أو باطل.. فهؤلاء هم من دمروا العالم بفكرهم العقيم، والذين ضلوا الطريق؛ فجلبوا للمجتمع الأزمات والمحن والفتن وما الله به عليم.. وهؤلاء الصنف من أناس هو من يسبق عقله لسانه أو قلمه، ومثل هؤلاء الأشخاص ينبغي تجنب الحديث أو الحوار معهم؛ لأنه يُعد مهلكة وضياعًا للوقت وساء سبيلًا…
والعاقل هو من يجعل عقله يسبق لسانه، يزن الأمور بعقلانية، ويختار أفضل الجمل والكلمات المقبولة، والتي يستأنس معها الحضور، ويكون الاحترام والتقدير حاضرًا طوال حديثه، وهذا تجده حريصًا على كل كلمة أو حرف ينطقه حتى لا يندم عليه.. فليتنا عند حواراتنا وأحاديثنا أن يسبق عقلنا ألسنتنا… وقد جاء في الحديث الشريف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: ألا أُخبِرُك بِرأسِ الأمرِ، وعمودِه، وذِروَةِ سَنامِه؟ قلت: بلَى، يا رسولَ اللهِ، قال: رأسُ الأمرِ الإسلام، وعمودُه الصَّلاةُ، وذِروةُ سَنامِهِ الجِهادُ، ثمَّ قال: ألا أخبرُك بمِلاكِ ذلِك كلِّه؟ قلتُ: بلَى، يا نبيَّ اللهِ، فأخذَ بلسانِهِ، وقال: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أو علَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم.
فاحذر أن يسبق لسانك عقلك..