تنتشر بدءًا من هذه الليلة (عيد رأس السنة الميلادية) تماثيل وصور للأسطورة (بابا نويل) أو(سانت كلوز)؛ بالإضافة لانتشار أشكال (الصليب) من خشب أو حديد أو حتى من الذهب؛ بالإضافة لشجرة عيد الميلاد، وهذه الرموز الثلاثة تُمثل (أركان الديانة المسيحية أو النصرانية) فما هي قصة تلك الرموز، وهل لها أصل في الكتاب المقدس (الإنجيل) رغم تحريفه الذي طال نحو ٨٠٪ منه حسب مصادر أوروبية .
بل هل سبق أن ذكرها سيدنا عيسى -عليه السلام-، أو حتى أحد تلاميذه، وإليكم قصة تلك الأساطير والخرافات الثلاث التي قام عليه الدين المُحرّف، عيد ميلاد المسيح ـ عليه السلام- عند الأوروبيين يـُسـمى عيد “الكريسماس” وهو يوم (25 ديسمبر) عند عامة النصارى، وعند الأقباط يوافق يوم (29 كيهك) وأما أول السنة؛ فهو يوم الختان كما يزعمون، والاحتفال به قديمًا وأما رموزه فهي:-
أولًا: البابا نويل
فقد أصبح “البابا نويل” أو سانت كلوز أسطورة كبيرة يُصدقها الكثير من الأطفال (بل في استفتاء أجرته إحدى شبكات التلفاز الأمريكية في عيد الميلاد سنة 1986 – قال 90% من الكبار أيضًا.. إنّهم يؤمنون بوجود سانتا كلوز).
وتقول الأسطورة الحالية: “إنّ سانتا كلوز يعيش في القطب الشمالي مع زوجته وأعوانه يديرون مصنعًا كبيرًا للعب الأطفال، وفي ليلة الميلاد يسافران معًا على زحافة ثلجية يجرها ثمانية غزلان، وتمرُّ الزحافة على سطح كل منزل؛ لينزل منها سانتا كلوز من خلال المدخنة إلى غرفة الطعام؛ ليضع الهدايا في جوارب خاصة يتركها للأطفال معلقةً بجوار المدفأة.. وعادةً ما يضع الأهل تلك الهدايا بدلًا من سانتا كلوز وقت نوم الأطفال، فإذا ما استيقظوا تيقنوا أنّ سانتا كلوز حقيقة لا مراء فيها”.
إذًا فهي خرافة صدّقها أكثر من خمسة مليارات شخص، والعجيب أن الأقمار الاصطناعية لم تتمكن من التقاط أي صور للمزعوم (نويل) رغم أنه يطير على ملايين البيوت؟!!
ثانيًا: أما قصة الصليب
فقد عرف التاريخ الصليب كأداة تعذيب وإعدام؛ حيث كان الصليب في الحضارات القديمة يعني الموت وأن الإنسان المصلوب عليه لا بد وأنه قد أذنب ذنبًا لا يستحق لأجله الحياة، ولا مفر من إعدامه، وكان المصلوب قديمًا ملعونًا، من الله والبشر.
وقد عرف اليهود قديمًا عقوبة إعدام المذنب بتعليقه عليه، وكانت اليهود تحتقر الصليب وكذلك طائفة من النصارى، ولم يعظمه ويقدسه إلا (بولس) الذي يسمونه رسول رغم أنه ليس حتى من تلاميذ سيدنا عيسى -عليه السلام-، وذلك بعد نحو ٣٠٠ سنة من رفع سيدنا عيسى -عليه السلام-، وتقول أسطورة (الصليب): إن والدة الإمبراطور قسطنطين، ذهبت لبيت المقدس تبحث عن الصليب على حد زعمها، فادعى شخص بعد عدة سنوات أنه وجده مدفونًا بكنيسة القمامة (كنيسة القيامة حاليًا)، وهكذا أضافوا له القدسية وأصبح من رموز عقيدتهم، وهو في الأصل خرافة وأسطورة.
ثالثًا: أصل شجرة الميلاد
أول من استخدم الشجرة هم: الفراعنة والصينيون كرمز للحياة السرمدية، ثم شاعت عبادتها بين الوثنيين الأوروبيين، وظلوا على احترامها وتقديسها حتى بعد دخولهم في المسيحية، فأصبحوا يضعونها في البيوت ويزينونها؛ كي تُطرد الشيطان أثناء عيد الميلاد حسب دائرة المعارف البريطانية.
ولم يطلق عليها شجرة الميلاد إلا في القرن ١٦ ميلادي ـ في ألمانيا الغربية ـ حيث تحولت ممّا يُسمى “بشجرة الجنة” في الاحتفال الديني بذكرى آدم وحواء في 24 من ديسمبر إلى شجرة الميلاد، حيث أصبحوا يعلقون عليها الشموع التي ترمز إلى المسيح ـ بزعمهم ـ ولم تدخل فكرة الشجرة إلى إنجلترا إلَّا في القرن ١٩، ولم يذكرها سيدنا عيسى -عليه السلام-، أو حتى أحد تلاميذه، فهي أسطورة وخرافة.
رابعًا: خرافات العيد
لـلـنـصـارى في ليلة رأس السنة (31 ديسمبر) اعتقادات باطلة، وخرافات كسائر أعيادهم المليئة بذلـك، وهــــذه الاعتقادات تصدر عن ممّن يوصفون بأنّهم متحضرون، ومن اعتقاداتهم تلك: أنّ الذي يحتسي آخر كأس من قنينة الخمر بعد منتصف تلك الليلة سيكون سعيد الحظ، وإذا كان عازبًا فسيكون أول من يتزوَّج من بين رفاقه في تلك السهرة، ومن الشؤم دخول منزل ما يوم عيد رأس السنة دون أن يحمل المرء هدية، وكنسُ الغبار إلى الـخــارج يوم رأس السنة يُكنس معه الحظ السعيد، وغسل الثياب والصحون في ذلك اليوم من الشؤم، والحرص على بقاء النّار مشتعلة طوال ليلة رأس السنة يحمل الحظ السعيد…. إلخ تلك الخرافات.
والمُنصف يقارن تلك الخرافات ليس بكتاب الله (القرآن الكريم) الذي تحدى الله تعالى به الجن والإنس أن يأتوا بمثله، بل بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيفية وصولها لأمة الإسلام، فإن بقاء الحديث النبوي بالسند المتصل يعد خصيصة فريدة اختص الله بها الأمة الإسلامية دون ما عداها من الأمم، فنحن نرى الأمم كلها على مدى التاريخ فقيرة لا تملك مصدرًا من مصادر الحديث عن الأنبياء؛ حيث انقطعت الصلة بينها وبين أنبيائها علميًا وتاريخيًا، وفقدت الحلقة التاريخية الموصلة إليهم. أما أمة الإسلام فهي الأمة الوحيدة التي امتلكت قوة الذاكرة، وعظمة الصدق، وأمانة تحمل الرواية، وقد أشار النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ذلك، وإلى أن الإسناد باقٍ في أمته بقوله: (تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ، وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ) خرجه أبو داود وصححه الألباني.
وقد اهتم العلماء المسلمون بالإسناد وبيَّنوا أهميته من خلال عبارات مشهورة، فقد قال ابن سيرين: «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم»، وقال سفيان الثوري: «الإسناد هو سلاح المؤمن. فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يُقاتل؟»، وقال عبد الله بن المبارك: «الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء). ولما للإسناد من أهمية بين العلماء المسلمين فقد تعدى استخدامه لأغلب العلوم، كعلم الأدب العربي، والتاريخ والطب وغيرها من علوم، وكان من ثمرة اهتمام المسلمين بالإسناد نشأة علم سُمي بعلم الجرح والتعديل، ولم يملك عدد من المستشرقين إلا أن يشيدوا بالطريقة التي سلكها العلماء المسلمون في التثبت من صحة الحديث سندًا ومتنًا وما اخترعوه لأجل ذلك من علوم كـعلم أصول الحديث، وعلم الجرح والتعديل، مثل: “باسورث سميث” عضو كلية التثليث في إكسفورد وكارليل، وبرنارد شو، ود سبرنجر ، فقد أعلن هؤلاء انبهارهم بالطريقة التي تمَّ بها جمع الأحاديث النبوية، وبالعلم الخاص بذلك عند علماء المسلمين، ويقول المستشرق الألماني سبرنجر Sprenger: “إن الدنيا لم ترَ ولن ترى أمة مثل المسلمين، فقد درسوا بفضل علم الرجال الذي أوجدوه حياة نصف مليون رجل”، ويقول الكاتب العالمي الدكتور موريس بوكاي: «لقد قاموا بتحقيقات تتسم دائمًا بالصعوبة، ولهذا كان هَمُّهُم الأول في عملهم العسير في مُدَوَّناتهم منصبًا أولًا على دِقَّة الضبط لهذه المعلومات الخاصة بكل حادثة، حتى القس المستشرق الإنجليزي (دافيد صموئيل مرجليوث) رغم عدائه الشهير للإسلام إلا أنه لم يتمالك نفسه أمام توثيق الرواية إلا أن يقول: (ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم) وكذلك أسد رستم وغيرهم، وعلم الإسناد (سلسلة الرجال الموصلة للمتن) علم لم تعرفه البشرية من قبل إلا على أيدي أصحاب الحديث الذين وضعوا له أسسًا وقواعد في دقة عالية بهرت العقول.
* باحث في تاريخ وآداب الحرم… مكة