العالم من حولنا يسير بخطى مُتسارعة متغيرة الاتجاهات ومن الصعوبة ملاحقة هذه الخطى، فليس هناك نظام اجتماعي أو ثقافي يستقر على حاله، وقد يبدو لك أن مستوى العالم يصعد أو يهبط في آنٍ واحد، وهذا ليس خيالًا بل واقعًا، فهنالك تنبؤات وآمال كثيرة تحاول تحديد معالم المستقبل، ولكن المشكلة في التنبؤ بالمستقبل أنك إذا ما توصلت إلى تنبؤ بالمستقبل؛ فإذا به قد تغير وتأتينا الأخبار يوميًا؛ لتحكي لنا عن أنظمة قديمة عفا عليها الزمن وأنظمة أخرى جديدة تحل محلها وغير ذلك من المفاجآت المذهلة، ووسط هذه التغيرات المتلاحقة لم يصبح بمقدور أحد أن يعرف ما الذي سيحدث في المستقبل.
ووسط هذا العالم المتغير هناك شيء ثابت، وهو أنك لو لم تختر ما الذي تريده من هذه الحياة، فإنه بلا شك الحياة نفسها هي التي ستختار لك، وكي تحقق ما تريد من هذا العالم يجب أن تكون اختياراتك سليمة، والاختيار السليم هو ما بُني على أهداف واضحة ومحددة. فالعاقل يُدرك ما وهبه الله من عقل وما أودع فيه من فطرة أن الكون الذي بُني على نظام دقيق والإنسان الذي خلق في أحسن تقويم لا بد أن يكون وراء خلقهما هدف عظيم وغاية سامية، وبالتالي فإن إضاعة الإنسان لأي وقت من حياته وإبقائه في دائرة الفراغ والضياع يتنافى مع هذه الحقائق؛ فلا بد أن يجعل الإنسان لكل وقت من حياته هدفًا ولكل عمل غاية، وأن يبرمج حياته على هذا الأساس، ولو تأملت في سير الناجحين في الحياة لرأيت أن النجاح في حياتهم كان بمقدار ما كانوا يرسمون لحياتهم من أهداف. والأهداف في حياة الإنسان تنقسم إلى قسمين:
– أهداف كُبرى كلية دائمة أو أهداف استراتيجية كما يقال.
– أهداف صغرى جزئية مرحلية أو أهداف تكتيكية.
ولا بد أن تكون الأهداف الصغرى خادمة للأهداف الكبرى ودائرة في فلكها ووسيلة لها وطريقًا للوصول إليها، وأكبر هدف وأعظم غاية، وأسمى مقصد يُمكن أن يسعى له الإنسان في هذه الحياة، هو السعي لرضوان رب العالمين بالوسائل التي شرعها الله لذلك، وهنالك بعض الأفكار التي تُساعد الإنسان على تحديد أهدافه في جوانب حياته المختلفة وهي:
– حذار أن تعود نفسك على القيام بأعمال لا هدف لها، فالنفس كالطفل إذا تعودت على شيء لزمته.
– عند تحديد الأهداف يجب مراعاة الإمكانات المتاحة والمتوقعة ثم تحديد الأهداف على مقدارها، فلا تكون الأهداف خيالية في طموحها بينما الإمكانات المعدة لها أو تلك التي يمكن إعدادها متواضعة جدًا.
– يجب أن يكون الهدف الذي تسعى لتحقيقه مناسبًا للزمن الذي قدرته لإنجازه؛ لأن من أخطر مقاتل الأهداف الجيدة عدم وجود الوقت الكافي لإنجازها. فالإحساس بقيمة الزمن وأهميته يُعد بداية تحريك النفوس وبعث الهمم لاستدراك الفائت أو اغتنام الحاضر والاستعداد للمستقبل، وليس هناك خسارة أشد من خسارة الوقت؛ فهي خسارة لا يمكن تعويضها.
– يجب أن يكون الهدف الذي تسعى لتحقيقه هدفًا مشروعًا؛ فالأهداف الممكنة كثيرة ولا تضيق الحياة إلا على العاجزين ولم يعدم يونس -عليه السلام- عملًا، وهو في بطن الحوت إذ كان من المسبحين.
– يجب أن يكون الهدف محددًا واضحًا لا غموض فيه ولا لبس؛ لأن عدم تحديد الهدف أو عدم وضوحه يجعل الإنسان غير قادر على الوصول إلى ما يريد أو عدم معرفة ما يريد.
– من شروط تحقق الأهداف وضع خطة عملية للوصول إليها، فالهدف مهما كان عظيمًا وممكنًا ومشروعًا ومحددًا ما لم يُبين سبيل الوصول إليه يبقى أفكارًا وآمالًا فقط، أما تحققه في الواقع؛ فلا بد له من خطة توصل إليه.
– سيواجه الإنسان أثناء تقدمه نحو هدفه كثيرًا من العقبات التي قد تستدعي منه تعديل بعض خططه والنظر في الأهداف المرحلية التي توصله للهدف الرئيسي من العملية كلها. ولا بد أن يكون العمل المناط به تنفيذ العمل مؤمنًا به إيمانًا جازمًا، وأن يعقد العزم على الوصول إليه بلا أدنى تردد، وأن يعقد العزم على أنه المسئول عن تحقيقه لا غيره وإلا فالفشل هو مصير العمل لتحقيق الهدف.
– يجب أن يكون الهدف الذي تسعى لتحقيقه هدفًا محتاجًا إليه وأولى من غيره بالعمل. فقد يكون الإنسان يسعى لأهداف تتوفر فيها جميع الشروط السابقة لكنه لا يحتاج إليها بل حاجته لأهداف أخرى أكثر إلحاحًا. وهذا يقودنا إلى الإشارة إلى قضية أخرى وهي أن الإنسان لا بد أن يكون في تحديد أهدافه والسعي لتحقيقها صاحب طموح ونفس تواقة لمعالي الأمور، فالحياة محدودة والفرص قد لا تتكرر، ومن قضى أوقاته ومضت حياته في الاشتغال بتوافه الحياة وصغارها عاش في قاعها، ولم يتسنَّ له الرقي إلى ذراها وقممها.
وأخيرًا من عوامل النجاح في تحقيق الأهداف أن يكتم أمرها وأمر السعي لتحقيقها عمن لا حاجة إلى علمه بها، وكما ورد في الأثر “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”, ومن عجز عن حفظ سره؛ فلا يلوم غيره إذا أفشاه، وكم من الأهداف ضاعت وفشل في تحقيقها أو سرقت بسبب إفشاء أسرارها عن أصحابها.
0