تُعتبر المدرسة الصولتية من أقدم المدارس التي خدمت العلم والتعليم ليس في مكة المكرمة فقط بل وفي الجزيرة العربية والعالم الإسلامي؛ فقد تأسست في عام 1290هـ، بجهود من المربي الشيخ “محمد رحمت الله بن خليل الرحمن الكيرانوي” -رحمه الله-. قدم إلى مكة عام ١٢٤٧هـ ؛ وتشير الوثائق المحفوظة إلى أن عدد المدرسين عام ١٢٩٠هـ ستة معلمين فقط، ويذكر أن الشيخ ” محمد يوسف حيدر آبادي” أحد مدرسي المرحلة الأولى للمدرسة وكان يصرف له مبلغ سبعة ريالات كراتب شهري.
بدأت مدرسة دينية لتدريس الطلاب في داخل المسجد الحرام، ثم انتقلت بعدها إلى مبنى يقع في منطقة “الخندريسة”، وهو مكان يقع بين جبل عُمر وجبل الكعبة ومقبرة الشبيكة من الجهة الثانية، على أرض قامت بشرائها السيدة الهندية “صولت النساء”.
هكذا كانت البداية واستمرت على هذه الحالة لسنوات حتى تطورت، وازدهرت عامًا بعد عام في إعداد المدرسين والطلاب والمباني والأوقاف والهبات، وكان في موسم الحج من كل عام يتبرع الحجاج، ويجودون بما يقدرون من المال لهذه المدرسة العريقة؛ لمساعدتها على الاستمرار في نشر العلم والتعليم.
حملت المدرسة الصولتية شعلة العلم والمعرفة في أم القرى “مكة المكرمة” لأكثر من مائة وخمسين عامًا، وقد تخرج فيها قوافل وأفواج من أبناء مكة المكرمة والجزيرة العربية والعالم الإسلامي، الذين عادوا إلى أوطانهم بعد انتهاء دراستهم، وكان لهم دور بارز وعطاء تاريخي وآثار حميدة في بلدانهم، وتولوا المناصب الشرعية والقضائية، وقاموا بخدمة الإسلام والعلم والدين، منهم: العلماء والقضاة، والفقهاء والأدباء، والشعراء وغيرهم من الذين قامت على أعناقهم النهضة التعليمية والثقافية والفكرية.
والمدرسة الصولتية تُنسب إلى المرأة المحسنة المصونة “صولت النساء” التي تبرعت بشراء مبنى المدرسة وإنشائها وسد نفقات تأسيس البناء، وكانت المدرسة في عهد الملك عبد العزيز مؤسس هذه البلاد -رحمه الله- في مبناها الرئيسي الأوَّل في “الخندريسة”، وقد زارها الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- في يوم الأربعاء الموافق 27 من ربيع الثاني سنة 1344هـ، وسجل كلمة في سجل الزوار ، وكانت لهذه الزيارة الميمونة الأثر الكبير في نفوس أهل العلم وسمعة المدرسة؛ وخاصة عندما قال -رحمه الله- عنها أثناء الزيارة: “المدرسة الصولتية أزهر بلادي”.
0