المقالات

لا تيأس

من وصايا القرآن الكريم والرسول الأمين صلى الله عليه وسلم: لا تيأس، قال تعالى: (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ) (يوسف: 87)، مهما تكاثرت ابتلاءاتك، ومهما اشتدت محنك، ومهما ضاقت عليك الحياة، ومهما فقدت أعظم ما ملكت لا تيأس من كرم الله ولطفه، فبينَ شَتات الدُنيا وضَيقها ليَس لنا ملاذًا سوى ربنا وكفى بالله وكيلًا، فأبقى على أملٍ يفسح لك مضائق العيش؛ ‏فتترقب دومًا سعة بعد ضيق، ‏وفرحًا بعد حزن، ‏وشفاءً بعد سقم، وعطاءً بعد حرمان، ‏تِلك الظُّنون الصادِقة كم أجزل الله بِها العَطاء، نمضي بإيماننا، والله يكلؤنا ‏ما خاب من مدّ لله الكريم يدًا، لا تيأس مهما عصفت بك الحياة، فإن الله الذي يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي؛ فهو قادر على أن يجعل لك مخرجًا ويرزقك من حيث لا تحتسب، فلا تَعتَرِض على أقدارِ الله وأحكامِه، فأنت عَبدٌ، والعَبد لا يسأل سيِّدَه لِمَ فعلتَ كذا؟ ولِمَ لَمْ تفعل؟ (لَا یُسۡأَلُ عَمَّا یَفۡعَلُ وَهُمۡ یُسۡأَلُونَ)، فتذكر إن ضاقت بِك الدنيا فقد اتسعت لك السَّماء، فالشدائد ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ وتعاظمت ﻻ تدوم؛ ﻓﺮﺣﻤﺔ الله أعظم وفرجه أقرب؛ ﻓﻼ تيأس ولا ﺗﻘﻠﻖ، وقُل: “ﻳﺎ ﺣﻲ ﻳﺎ قيوم ﺑﺮﺣﻤﺘﻚ أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين” ولا أقل من ذلك، استعن باللَّهِ ولا تيأس، ثق بربِّك، اسجد لهُ وارفَع أكفَّ الخضوعِ والتضرّعِ، واعلم أنّه من فوق سبع سماواتٍ، هناك ربٌ رحيم يعلم كل شيء حتى ارتعاش صوتك في الدعوات يعلمه الله ولن يضيّعه، فالفرج يأتي عندما تشتد الهموم والغموم قال تعالى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾ (الطلاق: 1)، تضيقُ الأمور بالإنسان حتى يظن أن لا مخرج منها، ثم يأتي الفرجُ من اللهِ سبحانه، من كان يعتقدُ أن هاجر -عليها السلام- التي كانت تركض بين الصفا والمروة بحثًا عن شربة ماء، سيخرج بين قدمي ابنها ماء زمزم؟! لا ليشربا هما فحسب، وإنما لتشرب الأمم حتى يوم القيامة، هكذا يُبدّل الله من حالٍ إلى حالٍ في طرفة عين، الشدة بتراء لا دوام لها، هكذا يقول ابن القيم -رحمه الله-، كلنا مرتْ بنا لحظات قاسية حسبناها نهاية المطاف، كل هذا أصبح اليوم مُجرد ذكريات، فلا تيأس، وثِقْ بربك، فإن أعظم العبادة انتظار الفرج!.
قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-:
“الإنسان لا ينبغي له أن يفتح على نفسه باب القلق والندم؛ لأن ذلك يُزعجه ويفسد عليه حياته، وربما يفسد عليه دينه؛ ولهذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- فيمن أصابه ما يكره بعد فعل الأسباب- قال: “فَلاَ تَقُلْ: لَوْ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ”. شرح بلوغ المرام ٦٩/١١.

د. زياد بن منصور القرشي

المستشار والباحث الشرعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى