من المُحال التنعم بالأمن والأمان وثمراتهما والتقلب في عرصاتهما، ما لم تتوفر الظروف الموضوعية المناسبة والأسباب المواتية لاستزراع الأمن السابغ، وإزالة الحشائش الشيطانية من تربته، فالأمن مشروع كبير يواجه دومًا تحديات تلوح حينًا في الأفق، وتأتي أحيانًا بصورة مفاجئة وعلى حين غِرّة ولا متوقعة في الحسبان، وكما قيل: (ومن مأمنه يُؤتى الحَذِر)، بَيْدَ أنه من الواجب على المخططين الاستراتيجيين للأمن تصور العقبات، وتوقع المفاجآت، ووضع الخطط اليقظة الدائمة، ويأتي في طليعة ذلك استحضار مُهددات الأمن أولًا قبل السعي في تحصيله، وأحسب أن الفتن تُقدح بالنجوى وتظهر بالشكوى، فرصد حركة تغيير فكر المجتمعات، والتعرف على هَناتها وهواجسها وهمومها وتطلعاتها أمر في غاية الأهمية والحيوية؛ إذ يحرص دَهاقِنة الفوضى ومُنظّروها على بث الفرقة والخلاف أولًا، ويقف وراء ذلك كله أفكار ودراسات وميزانيات ضخمة، فتضعضع الجبهة الداخلية هو المعول الأوَّل الذي يعلق عليه الأشرار آمالهم، وعادةً ما يكون الفكر هو الخيط الرفيع والشرارة الأولى التي تُقدح لبعث الفتن وإشعالِ أوار المحن، وتكمن المشكلة اليوم في تعدد قنوات الفكر الوافد، الذي يستهدف الأمن العقدي والسياسي والأخلاقي والاجتماعي والأمني والاقتصادي.. إلخ، فلا ينبغي أن يغيب عن البال ضرورة النظر إلى مهدِّدات الأمن بصورة شمولية متوازنة، وعدم تغليب جانب على جانب أو الاهتمام بجانب على حساب آخر، فوجود الثغرات أو عدم التوازن في استقراء مُهددات الأمن يسوق دومًا إلى الوقوع في شَرَك الإفراط أو التفريط.
ومن الضروري التعرف ابتداءً على رموز دعاة الفوضى ومهددي الأمن، وهم قسمان (ظاهر وخفي).
ومنهم :
١- أعداء الإسلام والعروبة والفضيلة، والاستقرار والنهضة، والوحدة والأمن.. إلخ.
٢- الطابور الخامس: وهو مكون من قومٍ باعوا دينهم وشرفهم ووطنيتهم بعرَض من الدنيا، والذين يطلق عليهم المستشرقون في العهد النبوي الشريف (المعارضة) من أجل التضليل وتسويق الانحراف وهم: (المنافقون).
٣ – جِهةٌ (ما) ثريةٌ ووظيفية معاصرة، تتسم بالإمعية والعداء السافر للعروبة والإسلام، والتي تعمل على تعكير الأمن والأمان في سبعِ دُوَلٍ عربية بدعمٍ وضَوءٍ أخضر من الدول المتنفذة في عالم اليوم؛ حيث قدحت شرارة موجة الحروب الأهلية فيها وأشعلت أوارها ولا تزال، وأنتجت ظاهرة (حميدتي وحفتر) الخطيرة، والتي خرجت من رحم تلك الأنظمة، وهو توجه خطير جدًا في المستقبل .
٤ – الفكر الثوري (الخوارج) والمسماة بالجهادية، وهو لقب مزور خدع الكثير من الشباب الغِر الساذج، وهي جماعات مخترقة من أجهزة الاستخبارات المعادية؛ لتشويه الإسلام السُّني الذي يعتنقه سواد الأمة الإسلامية والشاذ لا حكم له .
٥ – فكر التكفير والتبديع واستباحة دم المُخالف فيما يُسمى (بالخوارج القعدية) متكئين على الولاء الكاذب والمخادع للحاكم لضرب العالِم، والداعية وطالب العلم، والأديب، والمفكر، والشاعر الذين لا يتفقوا مع بدعهم وشدتهم وتحزبهم وضيق أفقهم وتعصبهم، وعلى طريقة المعتزلة الماكرة في عهد (المأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل)؛ حيث أشعلوا فتنة خلق القرآن، وامتحان العلماء والمحدِّثين في طول الدولة العباسية وعرضها، والفتوى بقتل من يقول: (إن القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق)، ولم يثبت في هذه الفتنة سوى القليل من العلماء، ومنهم الإمام أحمد (رحمه الله) بينما حقيقة مذهب المعتزلة تكفير الدولة العباسية وملوكها وأمرائها وعلمائها.
فهذه باختصار مُهددات الأمن الحقيقي في عالمنا العربي، وعلى المواطن العربي أن يتسم بالحِس الأمني المؤصَّل بالإسلام؛ لحماية دينه ومجتمعه ووطنه ودولته وقيادته وعلمائه.. إلخ .
وللحديث بقية.
0